كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)
99…ويظهر أن النزاع بين الناس، والاختلاف بين القبائل، فطرة فطر الله الناس عليها ليميز الله أهل الحكمة والصبر والتعقل من غيرهم .. فقد وجد النزاع بين ابني ادم الأخوين، فليس غريباً أن يوجد بين قبيلتين كانتا أختين ثم تباعدت الأرحام لطول الزمن .. ولهذا كانت رسالة الأنبياء جميعاً، التوحيد، وهو في الأصل توحيد الله تعالى بالعبادة، ولعل فيه أيضاً دعوة إلى وحدة الناس بعد طول خصام .. وقد كانت بين الأوس والخزرج حروب كثيرة، بدأت قبل الإسلام بزمن طويل، واستمرت إلى ما بعد البعثة النبوية، وكانت آخر أيامهم وأشدها ضراوة، وأكثرها ضرماً يوم بعاث، وذلك قبل الهجرة بخمس سنين.
ويظهر أن عامة الأوس والخزرج، وعدداً من رؤسائهم لم يكونوا راضين عن هذه الحروب، وإنما ينقادون إليها وراء زعمائهم، وبفعل الحمية القبلية التي يثيرونها قبل المعركة، ثم يظهر ندمهم على اشتعال الحرب، يوم لا ينفع الندم، ولذلك يقول قيس بن الخطيم الأوسي .. في حرب ((سمير)) ولم يدرك هذه الحرب، ولكنه قال ذلك بعدها بزمان: نفلي بحد الصفيح هامهم وفلينا هامهم بها جنف
إن بني عمنا طغوا وبغوا ولج منهم في قومهم سرف
يقول: كنا نعلوهم بالسيوف، وفي ذلك انحراف وميل عما توجبه القربى والرحم.
يريد أن قتالنا إياهم عنف منا، لأنهم قومنا وبنو عمنا.
وعندما جاء الإسلام كان القوم قد ملوا الحروب، وتطلعوا إلى قيادة تدعوهم إلى الوحدة، ونبذ الخصام، فلما كان لقاؤهم الأول برسول الله صلى الله عليه وسلم، وجدوا فيه ما كانوا يتطلعون إليه .. وقد روى البخاري عن عاشة قالت: ((كان يوم بعاث يوماً قدمه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد افترق ملؤهم وقتلت سرواتهم، وجرحوا، فقدمه الله لرسوله في دخولهم الإسلام)) وكان من آثار تقديم هذه الحرب، أن قتل فيها من أكابر الأوس والخزرج من كان…