كتاب مثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن ط الراية (اسم الجزء: 1)

عَرَضْتُ النَّوْمَ عَلَى عَيْنِي فَلَمْ تَقْبَلْهُ، وَالسُّلُوَّ عَلَى قَلْبِي فَامْتَنَعَ مِنْهُ، فَأَطَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ التَّعَجُّبَ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَالَ: مَا كُنْتُ أَقُولُ: إِنَّ الْهَوَى يَسْتَأْسِرُ مِثْلَكَ. فَقَالَ: وَإِنِّي لأَشَدُّ تَعَجُّبًا مِنْ تَعَجُّبِكَ مِنِّي، وَلَقَدْ كُنْتُ أَقُولُ: إن الهوى لا يتمكن إلا من صنفين من الناس: الشُّعَرَاءِ وَالأَعْرَابِ، فَأَمَّا الشُّعَرَاءُ، فَإِنَّهُمْ أَلْزَمُوا قُلُوبَهُمُ الْفِكْرَ فِي النِّسَاءِ وَالْغَزَلَ، فَمَالَ طَبْعُهُمْ إِلَى النِّسَاءِ فَضَعُفَتْ قُلُوبُهُمْ عَنْ دَفْعِ الْهَوَى، فَاسْتَسْلَمُوا إليه منقادين، وأما الأعراب، فإن أحدهم يخلوا بِامْرَأَتِهِ فَلا يَكُونُ الْغَالِبُ عَلَيْهِ غَيْرَ حُبِّهِ لَهَا، وَجُمْلَةُ أَمْرِي مَا رَأَيْتُ نَظْرَةً حَالَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ الْحَزْمِ وَحَسَّنَتْ عِنْدِي رُكُوبَ الإِثْمِ مِثْلَ نَظْرَتِي هَذِهِ.
فَتَبَسَّمَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَقَالَ: أوكل هذا قد بلغ منك؟ فقال: والله ما عرفتني هذه البلية قَبْلَ وَقْتِي هَذَا. فَوَجَّهَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى آلِ الزُّبَيْرِ يَخْطُبُ رَمْلَةَ عَلَى خَالِدٍ، فَذَكَرُوا ذلك لها فقالت: لا والله، أويطلق نساءه؟ فطلق امرأتين كانتا عنده، فظعن بِهَا إِلَى الشَّامِ، وَفِيهَا يَقُولُ:
أَلَيْسَ يَزِيدُ الشوق كل ليلة ... وفي كل يوم من حبيبنا قربا

الصفحة 408