كتاب درر الحكام شرح غرر الأحكام (اسم الجزء: 1)

وَلِذَا يَقُومُ الْجَدُّ مَقَامَ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ (الْفُقَرَاءِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ فَنَفَقَتُهُمْ فِي مَالِهِمْ (وَإِنْ قَدَرُوا عَلَى الْكَسْبِ) لِأَنَّهُمْ يَتَضَرَّرُونَ بِهِ وَالْوَلَدُ مَأْمُورٌ بِدَفْعِهِ عَنْهُمْ (بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ) ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْأَبَوَيْنِ إنَّمَا هُوَ بِحَقِّ الْمِلْكِ فِي مَالِ الْوَلَدِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» وَهَذَا الْمَعْنَى يَشْتَمِلُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ وَلِهَذَا يَثْبُتُ لَهُمَا هَذَا الِاسْتِحْقَاقُ مَعَ اخْتِلَافِ الْمِلَّةِ، وَإِنْ انْعَدَمَ التَّوَارُثُ (يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقُرْبُ وَالْجُزْئِيَّةُ لَا الْإِرْثُ) لِمَا ذُكِرَ.

(فَفِيمَنْ لَهُ بِنْتٌ وَابْنُ ابْنٍ) النَّفَقَةُ (عَلَى الْبِنْتِ) مَعَ أَنَّ الْإِرْثَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ.
(وَفِي وَلَدِ بِنْتٍ وَأَخٍ) النَّفَقَةُ (عَلَى وَلَدِهَا) مَعَ أَنَّ الْإِرْثَ كُلَّهُ لِلْأَخِ وَلَا شَيْءَ لِوَلَدِ الْبِنْتِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ (وَلِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ) عَطْفٌ عَلَى لِأُصُولِهِ، الْفَرْقُ بَيْنَ ذِي الرَّحِمِ وَبَيْنَ الْمَحْرَمِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ لِصِدْقِهِمَا عَلَى الْبِنْتِ وَالْأُخْتِ وَصِدْقِ الْأَوَّلِ عَلَى بِنْتِ الْعَمِّ دُونَ الثَّانِي لِصِحَّةِ نِكَاحِهَا وَصِدْقِ الثَّانِي عَلَى أُخْتِ الزَّوْجَةِ لِعَدَمِ صِحَّةِ نِكَاحِهَا دُونَ الْأَوَّلِ (صَغِيرٍ، أَوْ أُنْثَى بَالِغَةٍ، أَوْ ذَكَرٍ عَاجِزٍ) بِأَنْ كَانَ زَمِنًا، أَوْ أَعْمَى أَوْ مَجْنُونًا (فُقَرَاءَ) حَالٌ مِنْ الْمَجْمُوعِ حَتَّى لَوْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ لِأَنَّ الصِّلَةَ فِي الْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ وَاجِبَةٌ دُونَ الْبَعِيدَةِ، وَالْفَاصِلُ أَنْ يَكُونَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَلَى الْوَارِثِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِثْلُ ذَلِكَ وَقِرَاءَتُهُ مَشْهُورَةٌ فَصَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ الْمَشْهُورِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ فَجَازَ تَقْيِيدُ إطْلَاقِ الْكِتَابِ بِهِ، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ الْحَاجَةِ وَالصِّغَرِ وَالْأُنُوثَةِ وَالزَّمَانَةِ، وَالْعَمَى أَمَارَةُ الْحَاجَةِ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ فَإِنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْكَسْبِ غَنِيٌّ بِكَسْبِهِ بِخِلَافِ الْأَبَوَيْنِ كَمَا سَبَقَ (بِقَدْرِ الْإِرْثِ) مُتَعَلِّقٌ بِيَجِبُ الْمُقَدَّرِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ قَدْرُهُ أَخْذًا مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] فَإِنَّ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ مُشْعِرٌ بِعِلِّيَّتِهِ وَلِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ (وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْإِنْفَاقِ لِإِيفَاءِ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ فَتَجِبُ نَفَقَةُ الْبِنْتِ الْبَالِغَةِ وَالِابْنِ الزَّمِنِ مِنْ الْبَالِغِ عَلَى أَبَوَيْهِمَا أَثْلَاثًا عَلَى الْأَبِ الثُّلُثَانِ وَعَلَى الْأُمِّ الثُّلُثُ؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَهُمَا عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كُلُّ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233] وَفِي غَيْرِ الْوَالِدَيْنِ يُعْتَبَرُ بِقَدْرِ الْمِيرَاثِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَفَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَنَفَقَةُ مَنْ) أَيْ فَقِيرٍ (لَهُ أَخَوَاتٌ مُتَفَرِّقَاتٌ) مُوسِرَاتٌ (عَلَيْهِنَّ أَخْمَاسًا كَإِرْثِهِ) ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهَا عَلَى الْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَخُمُسُهَا عَلَى الْأُخْتِ لِأَبٍ وَخُمُسُهَا عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــQصَاحِبْهُمَا الْوَالِدَانِ لَا الْأَبَوَانِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلِذَا يَقُومُ الْجَدُّ مَقَامَ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ) أَيْ فِي الْوِرَاثَةِ وَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ: الْفُقَرَاءِ. . . إلَخْ) يُوَافِقُ بِإِطْلَاقِهِ قَوْلَ السَّرَخْسِيِّ: الْمُعْتَبَرُ فِي إيجَابِ نَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ مُجَرَّدُ الْفَقِيرِ قِيلَ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ مَعْنَى الْأَذَى فِي إيكَالِهِ إلَى الْكَدِّ وَالتَّعَبِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي التَّأْفِيفِ الْمُحَرَّمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: 23] وَيُخَالِفُ قَوْلَ الْحَلْوَانِيِّ إنَّهُ لَا يُجْبَرُ إذَا كَانَ الْأَبُ كَسُوبًا لِأَنَّهُ كَانَ غَنِيًّا بِاعْتِبَارِ الْكَسْبِ فَلَا ضَرُورَةَ فِي إيجَابِ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَيْرِ ثُمَّ نَقَلَ الْكَمَالُ بَعْدَ نَحْوِ وَرَقَةٍ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ لَا يُجْبَرُ الْمُوسِرُ عَلَى نَفَقَةِ أَحَدٍ مِنْ قَرَابَتِهِ إذَا كَانَ رَجُلًا صَحِيحًا وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ إلَّا فِي الْوَالِدِ خَاصَّةً، أَوْ فِي الْجَدِّ أَبِ الْأَبِ إذَا مَاتَ الْوَلَدُ فَإِنَّهُ أُجْبِرَ الْوَلَدُ عَلَى نَفَقَتِهِ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا اهـ.
وَهَذَا جَوَابُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ يَشِيدُ قَوْلَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ بِخِلَافِ الْحَلْوَانِيِّ اهـ كَلَامُ الْكَمَالِ.
(قَوْلُهُ: بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَقَالَ الْكَمَالُ وَالْحَقُّ الِاسْتِوَاءُ فِيهَا لِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِالْوِلَادِ وَهُوَ يَشْمَلُهُمَا بِالسَّوِيَّةِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْوِلَادِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عُلِّقَ فِيهِ بِالْإِرْثِ اهـ.
وَقِيلَ تَجِبُ بِقَدْرِ الْإِرْثِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ.
(قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» ) أَخَصُّ مِنْ الْمُدَّعَى.
(قَوْلُهُ: لِمَا ذُكِرَ) صَوَابُهُ لِمَا نَذْكُرُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ وَسَيَذْكُرُ أَنَّ الصِّلَةَ فِي الْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ وَاجِبَةٌ دُونَ الْبَعِيدَةِ.

(قَوْلُهُ: عَلَى الْبِنْتِ) أَيْ لِقُرْبِهَا. (قَوْلُهُ: عَلَى وَلَدِهَا) أَيْ لِلْجُزْئِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَصِدْقِ الثَّانِي عَلَى أُخْتِ الزَّوْجَةِ لِعَدَمِ صِحَّةِ نِكَاحِهَا دُونَ الْأَوَّلِ) يُوجِبُ أَنْ تَكُونَ مَنْكُوحَةُ الْغَيْرِ وَالْخَامِسَةُ لِمَنْ لَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ وَنَحْوُهُ مَحْرَمًا وَإِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: وَصِدْقِ الثَّانِي عَلَى نَحْوِ الْأُخْتِ رَضَاعًا.
(قَوْلُهُ: بِقَدْرِ الْإِرْثِ مُتَعَلِّقٌ بِيَجِبُ الْمُقَدَّرِ) يَعْنِي فِي قَوْلِهِ قَبْلَهُ وَلِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ.
(قَوْلُهُ: فَتَجِبُ نَفَقَةُ الْبِنْتِ الْبَالِغَةِ وَالِابْنِ الزَّمِنِ الْبَالِغِ عَلَى أَبَوَيْهِمَا أَثْلَاثًا) رِوَايَةُ الْخَصَّافِ وَالْحَسَنِ. (قَوْلٌ) وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْبِنْتِ فَرْعٌ وَلَا عَدَدٌ مِنْ الْإِخْوَةِ يُفِيدُهُ قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَهُمَا عَلَى هَذَا اهـ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كُلُّ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَبِ وَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى بَيْنَ نَفَقَةِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ الزَّمِنِ أَنَّهُ اجْتَمَعَتْ لِلْأَبِ فِي الصَّغِيرِ وِلَايَةٌ وَمُؤْنَةٌ حَتَّى وَجَبَتْ عَلَيْهِ صَدَقَةُ فِطْرِهِ فَاخْتُصَّ بِلُزُومِ نَفَقَتِهِ عَلَيْهِ وَلَا كَذَلِكَ الْكَبِيرُ لِانْعِدَامِ الْوِلَايَةِ فَتُشَارِكُهُ الْأُمُّ فَاعْتُبِرَ كَسَائِرِ الْمَحَارِمِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ بِالْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ: عَلَيْهِنَّ أَخْمَاسًا كَإِرْثِهِ) يَعْنِي عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ وَالرَّدِّ.

الصفحة 419