كتاب درر الحكام شرح غرر الأحكام (اسم الجزء: 1)

الْأُخْتِ لِأُمٍّ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِنَّ (وَيُعْتَبَرُ فِيهِ) أَيْ فِي ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ (أَهْلِيَّةُ الْإِرْثِ) بِأَنْ لَا يَكُونَ مَحْرُومًا (لَا حَقِيقَتُهُ) بِأَنْ يَكُونَ مُحْرِزًا لِلْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ وَفَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَنَفَقَةُ مَنْ) أَيْ فَقِيرٍ (لَهُ خَالٌ وَابْنُ عَمٍّ) مُوسِرَانِ (عَلَى الْخَالِ) إذْ يُمْكِنُ أَنْ يَمُوتَ ابْنُ الْعَمِّ، وَيَكُونُ الْإِرْثُ لِلْخَالِ فَإِنَّ ابْنَ الْعَمِّ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ، وَالْخَالُ مَحْرَمٌ فَتَكُونُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ.
(لَا نَفَقَةَ مَعَ الِاخْتِلَافِ دِينًا) لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِاسْمِ الْوَارِثِ، وَاخْتِلَافُ الدِّينِ يَمْنَعُ التَّوَارُثَ فَلَا تَجِبُ عَلَى النَّصْرَانِيِّ نَفَقَةُ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ وَلَا عَلَى الْمُسْلِمِ نَفَقَةُ أَخِيهِ النَّصْرَانِيِّ (إلَّا لِلزَّوْجَةِ) لِأَنَّهَا تَجِبُ بِاعْتِبَارِ الْحَبْسِ الْمُسْتَحَقِّ بِعَقْدِ النِّكَاحِ وَذَلِكَ يَعْتَمِدُ صِحَّةَ الْعَقْدِ لَا اتِّحَادَ الْمِلَّةِ حَتَّى لَا تَجِبَ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَلَا الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ (وَالْأُصُولِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] وَفَسَّرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحُسْنِ الْعِشْرَةِ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ، وَالْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ كَالْأَبَوَيْنِ كَمَا مَرَّ وَلَا يُجْبَرُ الْمُسْلِمُ عَلَى إنْفَاقِ أَبَوَيْهِ الْحَرْبِيَّيْنِ وَلَا الْحَرْبِيُّ عَلَى إنْفَاقِ أَبِيهِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِطَرِيقِ الصِّلَةِ، وَالْحَرْبِيُّ لَا يَسْتَحِقُّهَا لِلنَّهْيِ عَنْ بِرِّهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 9] وَلِهَذَا لَا يَجْرِي الْإِرْثُ بَيْنَ مَنْ هُوَ فِي دَارِنَا وَبَيْنَهُمْ، وَإِنْ اتَّحَدَتْ مِلَّتُهُمْ (وَالْفُرُوعِ) لِأَنَّ الْفَرْعَ جُزْؤُهُ، وَنَفَقَةَ الْجُزْءِ لَا تُمْنَعُ بِالْكُفْرِ كَنَفَقَةِ نَفْسِهِ (الذِّمِّيِّينَ) قَيَّدَ بِهِ احْتِرَازًا عَنْ الْحَرْبِيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّا نُهِينَا عَنْ الْبِرِّ فِي حَقِّ مَنْ يُقَاتِلُنَا كَمَا مَرَّ، وَأَمَّا الثَّانِي فَالْعَرَضِيَّةُ أَنْ يُلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ.

(يَبِيعُ الْأَبُ عَرَضَ ابْنِهِ لَا عَقَارَهُ لِنَفَقَتِهِ) أَيْ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ لِنَفَقَتِهِ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْحِفْظِ فِي مَالِ وَلَدِهِ الْغَائِبِ؛ إذْ لِلْوَصِيِّ ذَلِكَ فَلِلْأَبِ أَوْلَى لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ، وَبَيْعُ الْمَنْقُولِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ؛ إذْ يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ وَلَا كَذَلِكَ الْعَقَارُ لِأَنَّهَا مَحْفُوظَةٌ بِنَفْسِهَا وَبِخِلَافِ غَيْرِ الْأَبِ مِنْ الْأَقَارِبِ؛ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ أَصْلًا فِي التَّصَرُّفِ حَالَ الصِّغَرِ لِيَبْقَى أَثَرُهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلَا فِي الْحِفْظِ بَعْدَ الْكِبَرِ بِخِلَافِ الْأَبِ، وَإِذَا جَازَ بَيْعُهُ فَالثَّمَنُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَهُوَ النَّفَقَةُ فَلَهُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ.

(لَا) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْأَبِ عَرَضَ ابْنِهِ (لِدَيْنٍ لَهُ) أَيْ الْأَبِ (عَلَيْهِ) أَيْ الِابْنِ (غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ النَّفَقَةِ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ لِانْقِطَاعِهَا بِالْبُلُوغِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ حَالَ حَضْرَتِهِ وَلَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ فِي دَيْنٍ سِوَى النَّفَقَةِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا ذَكَرْنَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: فِي الْمَسْأَلَةِ نَوْعُ إشْكَالٍ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ لِلْأَبِ حَالَ غَيْبَةِ ابْنِهِ وِلَايَةُ الْحِفْظِ إجْمَاعًا فَمَا الْمَانِعُ لَهُ مِنْ الْبَيْعِ بِالنَّفَقَةِ عِنْدَهُمَا، أَوْ بِالدَّيْنِ عِنْدَ الْكُلِّ.
أَقُولُ: لَا إشْكَالَ أَصْلًا لِأَنَّ هَاهُنَا مُقَدِّمَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّ لِلْأَبِ حَالَ غَيْبَةِ ابْنِهِ وِلَايَةَ الْحِفْظِ، وَالثَّانِيَةُ أَنَّ بَيْعَ الْمَنْقُولِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْأُولَى إجْمَاعِيَّةً كَوْنُ الثَّانِيَةِ كَذَلِكَ فَالْمَانِعُ مِنْ الْبَيْعِ بِالنَّفَقَةِ عِنْدَهُمَا كَوْنُهُ مُنَافِيًا لِلْحِفْظِ، وَأَمَّا الْمَانِعُ مِنْ الْبَيْعِ بِالدَّيْنِ فَهُوَ أَنَّ ثُبُوتَ الدَّيْنِ يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْوِلَادِ كَمَا سَبَقَ وَالْعَجَبُ أَنَّ هَذَا مَعَ كَمَالِهِ فِي الظُّهُورِ كَيْفَ خَفِيَ عَلَى مَنْ هُوَ بِالْفَضْلِ مَشْهُورٌ،. وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: قَالُوا إنَّ لِلْأَبِ وِلَايَةَ حِفْظِ مَالِ الِابْنِ، وَبَيْعُ الْمَنْقُولَاتِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ لَا بَيْعُ الْعَقَارِ لِأَنَّهُ مُحَصَّنٌ بِنَفْسِهِ فَإِذَا بَاعَ الْمَنْقُولَ فَالثَّمَنُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَهُوَ النَّفَقَةُ فَيُصْرَفُ إلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ قُلْت: الْكَلَامُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَقُولُ لَا إشْكَالَ أَصْلًا. . . إلَخْ) غَيْرُ مُسَلَّمٍ فَإِنَّ قَوْلَهُ وَالثَّانِيَةُ أَنَّ بَيْعَ الْمَنْقُولِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْأُولَى إجْمَاعِيَّةً كَوْنُ الثَّانِيَةِ كَذَلِكَ هُوَ رَدُّ الْإِشْكَالِ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ مَنْعِ الْمُلَازَمَةِ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَنْقُولِ لِأَجْلِ الْحِفْظِ لَا خِلَافَ فِيهِ فَلَمْ يَفْتَرِقْ الْحُكْمُ بَيْنَ الْمُقَدِّمَتَيْنِ، وَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مَبْحَثَ الزَّيْلَعِيِّ، إذْ بَحْثُهُ فِي مَنْعِ الْبَيْعِ لِلنَّفَقَةِ عِنْدَهُمَا، أَوْ لِلدَّيْنِ عِنْدَ الْكُلِّ لِكَوْنِ أَنَّ مُجَوِّزَ الْبَيْعِ إنَّمَا جَوَّزَهُ بِاعْتِبَارِ الْبَيْعِ لِأَجْلِ الْمُحَافَظَةِ، ثُمَّ إذَا صَارَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ صَرَفَهُ لِنَفَقَتِهِ وَهُمَا يُوَافِقَانِ عَلَى بَيْعِهِ تَحْصِينًا كَالْوَصِيِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ فِي وَجْهِ الْقِيَاسِ وَحَيْثُ اتَّفَقُوا عَلَى بَيْعِهِ تَحْصِينًا فَأَيُّ مَانِعٍ يَمْنَعُ الْأَبَ مِنْ صَرْفِهِ بَعْدَهُ لِنَفَقَتِهِ وَقَدْ صَارَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ فَمَا الْمَانِعُ لَهُ مِنْ الْبَيْعِ بِالنَّفَقَةِ عِنْدَهُمَا اهـ. عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي عَرَضِ الِابْنِ الْكَبِيرِ أَمَّا الصَّغِيرُ فَلِلْأَبِ بَيْعُ عَرَضِهِ لِلنَّفَقَةِ إجْمَاعًا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ اهـ.
وَإِلَيْهِ يُشِيرُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَالزَّيْلَعِيِّ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَوْ بِالدَّيْنِ عِنْدَ الْكُلِّ فَتَوْجِيهُهُ أَنَّ مِنْ الْمُسَلَّمِ بَيْعَ الْأَبِ لِأَجْلِ التَّحْصِينِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِذَا صَارَ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ لَا مَانِعَ مِنْ صَرْفِهِ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِيمَنْ ظَفِرَ بِجِنْسِ مَالِهِ عَلَى غَرِيمِهِ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ رِضًى وَلَا قَضَاءٍ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَيْضًا عَدَمُ صِحَّةِ مَا ادَّعَاهُ مِنْ بُطْلَانِ كَلَامِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

الصفحة 420