كتاب درر الحكام شرح غرر الأحكام (اسم الجزء: 1)

فِي أَنَّهُ هَلْ يَحِلُّ بَيْعُ الْعُرُوضِ لِأَجْلِ النَّفَقَةِ لَا فِي الْبَيْعِ لِأَجْلِ الْمُحَافَظَةِ ثُمَّ الْإِنْفَاقِ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ لَوْ كَانَتْ هَذَا لَجَازَ الْبَيْعُ لِدَيْنٍ سِوَى النَّفَقَةِ بِعَيْنِ هَذَا الدَّلِيلِ.
أَقُولُ: الْقَوْمُ إنَّمَا يَذْكُرُونَ جَوَازَ الْبَيْعِ لِأَجْلِ الْمُحَافَظَةِ لِإِثْبَاتِ جَوَازِ الْبَيْعِ لِلنَّفَقَةِ فَإِنَّ مَعْنَى كَلَامِهِمْ أَنَّ بَيْعَ الْمَنْقُولَاتِ يَجُوزُ لِأَجْلِ النَّفَقَةِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِأَجْلِ الْمُحَافَظَةِ بِدَلِيلِ جَوَازِهِ لِلْوَصِيِّ فَلَأَنْ يَجُوزَ مِنْ الْأَبِ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْ الْأَبِ فَإِذَا جَازَ بَيْعُهُ لِلْمُحَافَظَةِ وَبَاعَ حَصَلَ مَالٌ مِنْ جِنْسِ النَّفَقَةِ فَجَازَ صَرْفُ الْأَبِ إيَّاهُ فِي نَفَقَتِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ لَوْ كَانَتْ هَذَا. . . إلَخْ فَبَاطِلٌ مَحْضٌ لِمَا عَرَفْتَ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْبَيْعِ بِالدَّيْنِ هُوَ أَنَّ ثُبُوتَ الدَّيْنِ يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ، وَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْوِلَادِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الْأَوَّلِ جَوَازُ الثَّانِي.

(وَلَا تَبِيعُ الْأُمُّ مَالَهُ) أَيْ مَالَ ابْنِهَا (لَهَا) أَيْ لِنَفَقَتِهَا؛ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهَا فِي التَّصَرُّفِ حَالَ الصِّغَرِ وَلَا فِي الْحِفْظِ بَعْدَ الْكِبَرِ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ سَبَقَ أَنَّ لِلْأُمِّ أَيْضًا حَقَّ التَّمَلُّكِ فِي مَالِ الِابْنِ بِالْحَدِيثِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنْ يَجُوزَ لَهَا أَيْضًا أَنْ تَبِيعَ مَالَ وَلَدِهَا لِلنَّفَقَةِ قُلْنَا: إنَّ مَدَارَ جَوَازِ الْبَيْعِ لَيْسَ حَقَّ التَّمَلُّكِ بَلْ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْوَلَدِ فَمَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِيهِ جَازَ لَهُ الْبَيْعُ وَمَنْ لَا فَلَا.
(ضَمِنَ مُودَعُ الِابْنِ لَوْ أَنْفَقَهَا) أَيْ الْوَدِيعَةَ (عَلَى أَبَوَيْهِ بِلَا أَمْرِ قَاضٍ) لِتَصَرُّفِهِ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِلَا إنَابَةٍ وَوِلَايَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ مُلْزِمٌ (لَا الْأَبَوَانِ) أَيْ لَا يَضْمَنَانِ (وَلَوْ أَنْفَقَا مَالَهُ) أَيْ مَالَ الِابْنِ الْغَائِبِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ النَّفَقَةِ لِأَنَّ نَفَقَتَهُمَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَاسْتَوْفَيَا حَقَّهُمَا.
(قُضِيَ بِنَفَقَةِ غَيْرِ الزَّوْجَةِ) يَعْنِي الْأُصُولَ وَالْفُرُوعَ وَالْقَرَائِبَ (وَمَضَتْ مُدَّةٌ) لَمْ تَصِلْ إلَيْهِمْ فِيهَا (سَقَطَتْ) لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ انْدَفَعَتْ الْحَاجَةُ، وَإِنَّمَا قَالَ: غَيْرِ الزَّوْجَةِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِنَفَقَتِهَا لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهَا جَزَاءُ الِاحْتِبَاسِ لَا لِلْحَاجَةِ كَمَا مَرَّ وَلِهَذَا تَجِبُ مَعَ يَسَارِهَا فَلَا تَسْقُطُ بِحُصُولِ الِاسْتِغْنَاءِ فِيمَا مَضَى (إلَّا إذَا اسْتَدَانُوا) أَيْ الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ وَالْقَرَائِبُ (بِإِذْنِ الْقَاضِي) أَيْ أَذِنَ لَهُمْ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ فَاسْتَدَانُوا عَلَى الْغَائِبِ فَحِينَئِذٍ لَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهُمْ أَيْضًا كَمَا لَا تَسْقُطُ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ بِمُجَرَّدِ تَقْرِيرِ الْقَاضِي، وَإِنْ مَضَتْ مُدَّةٌ.

(وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ أَسْبَابِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ (الْمِلْكُ فَتَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى) النَّفَقَةُ (لِمَمْلُوكِهِ فَإِنْ أَبَى) أَيْ امْتَنَعَ الْمَوْلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ (كَسَبَ) أَيْ الْمَمْلُوكُ (إنْ قَدَرَ) عَلَى الْكَسْبِ (وَأَنْفَقَ) عَلَى نَفْسِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ (أُمِرَ) أَيْ الْمَوْلَى يَعْنِي أَمَرَهُ الْقَاضِي (بِبَيْعِهِ) لَوْ رَقِيقًا.
(وَفِي الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ أُجْبِرَ) الْمَوْلَى (عَلَى الْإِنْفَاقِ) لِامْتِنَاعِ الْبَيْعِ فِيهِمَا (وَالْمُكَاتَبُ عَلَى الْمَالِ يَكْسِبُ) ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ يَدًا، وَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا رَقَبَةً وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمُكَاتَبِ عَلَى الْخِدْمَةِ فَإِنَّهُ كَالرَّقِيقِ؛ إذْ لَا يَدَ لَهُ أَصْلًا.
(رَجُلٌ لَا يُنْفِقُ عَلَى عَبْدِهِ: إنْ قَدَرَ) أَيْ الْعَبْدُ (عَلَى الْكَسْبِ لَيْسَ لَهُ أَكْلُ مَالِ مَوْلَاهُ بِلَا رِضَاهُ، وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْكَسْبِ (جَازَ) أَكْلُهُ بِلَا رِضَاهُ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ (كَذَا) أَيْ جَازَ أَكْلُهُ بِلَا رِضَاهُ أَيْضًا (إنْ مَنَعَ) مَوْلَاهُ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْكَسْبِ.
(غَصَبَ) أَيْ شَخْصٌ (عَبْدًا فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ) أَيْ الْغَاصِبِ (إلَى أَنْ يَرُدَّ) الْمَغْصُوبَ إلَى مَالِكِهِ (فَإِنْ طَلَبَ) الْغَاصِبُ (مِنْ الْقَاضِي الْأَمْرَ بِالنَّفَقَةِ) أَيْ بِأَنْ يُنْفِقَ الْغَاصِبُ عَلَى الْعَبْدِ (أَوْ الْبَيْعِ) أَيْ بِأَنْ يَبِيعَ الْغَاصِبُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَا تَبِيعُ الْأُمُّ مَالَهُ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ بَعْدَ شَرْحِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَكِنْ نَقَلَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْأَقْضِيَةِ جَوَازَ بَيْعِ الْأَبَوَيْنِ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ فَإِنَّهُ أَضَافَ الْبَيْعَ إلَيْهِمَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ.
وَجْهُ رِوَايَةِ الْأَقْضِيَةِ أَنَّ مَعْنَى الْوِلَادِ يَجْمَعُهُمَا وَهُمَا فِي اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ سَوَاءٌ وَعَلَى تَقْدِيرِ الْإِنْفَاقِ فَتَأْوِيلُهُ أَنَّ الْأَبَ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى الْبَيْعَ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا أَمَّا نَفْسُهَا فَبَعِيدٌ اهـ. وَلَا يَخْفَى عَدَمُ اطِّرَادِ التَّأْوِيلِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ قِيلَ قَدْ سَبَقَ. . . إلَخْ) قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا لَا يَكْفِي فِي اسْتِحْقَاقِهَا مَالَ الِابْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الثُّبُوتُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ.
(قَوْلُهُ: ضَمِنَ مُودَعُ الِابْنِ. . . إلَخْ) هَذَا قَضَاءً وَكَذَا مَنْ عِنْدَهُ مَالُهُ كَالْمُضَارِبِ وَالْمَدْيُونِ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلَا رُجُوعَ لِلْمُودَعِ وَنَحْوِهِ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ بِالضَّمَانِ مَلَكَهُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ التَّعَدِّي وَهَذَا - أَيْ الضَّمَانُ - إذَا كَانَ يُمْكِنُ اسْتِطْلَاعُ رَأْيِ الْقَاضِي وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْ اسْتِطْلَاعُهُ لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا وَعَلَى هَذَا بَيْعُ بَعْضِ الرُّفْقَةِ مَتَاعَ بَعْضِهِمْ لِتَجْهِيزِهِ وَكَذَا لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَأَنْفَقُوا عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَضْمَنُوا اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالضَّمَانِ قَضَاءً لِنَفْيِ ضَمَانِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى لَوْ مَاتَ الِابْنُ الْغَائِبُ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ لِوَرَثَتِهِ أَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ عَلَيْهِ حَقٌّ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ: وَمَضَتْ مُدَّةٌ) يَعْنِي طَوِيلَةً كَشَهْرٍ لَا مَا دُونَهُ وَاسْتَثْنَى فِي التَّبْيِينِ نَفَقَةَ الصَّغِيرِ الْمَفْرُوضَةَ فَإِنَّهَا تَصِيرُ دَيْنًا بِالْقَضَاءِ دُونَ غَيْرٍ.

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ) يَعْنِي بِأَنْ كَانَ زَمِنًا، أَوْ أَعْمَى، أَوْ أَمَةً لَا يُؤْجَرُ مِثْلُهَا خَشْيَةَ الْفِتْنَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْبُرْهَانِ اهـ.
فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْأُنُوثَةَ هُنَا لَيْسَتْ أَمَارَةَ الْعَجْزِ بِخِلَافِهَا فِي ذَوِي الْأَرْحَامِ اهـ.
وَلَمْ يَتَعَرَّضْ

الصفحة 421