كتاب المجموع شرح المهذب (اسم الجزء: 1)

أحسن الوجوه وأكملها وَأَتَمِّهَا وَأَعْجَلِهَا وَأَنْفَعِهَا فِي الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا وَأَكْثَرِهَا انْتِفَاعًا بِهِ وَأَعَمِّهَا فَائِدَةً لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ أنه قد شاع في ألسنة كثيرين من المشتغلين بمذهبا بَلْ أَكْثَرُ أَهْلِ زَمَانِنَا أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ مُطْلَقًا إلَّا مُرْسَلَ ابن المسيب فانه يحتج به مطلقا وهذان غَلَطَانِ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّهُ مُطْلَقًا وَلَا يَحْتَجُّ بِمُرْسَلِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ مُطْلَقًا بَلْ الصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَالنِّعْمَةُ وَالْفَضْلُ والمنة
* (فَرْعٌ)
قَدْ اسْتَعْمَلَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُهَذَّبِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً مُرْسَلَةً وَاحْتَجَّ بِهَا مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِالْمُرْسَلِ وَجَوَابُهُ أَنَّ بَعْضَهَا اعْتَضَدَ بِأَحَدِ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ فَصَارَ حُجَّةً وَبَعْضَهَا ذَكَرَهُ لِلِاسْتِئْنَاسِ وَيَكُونُ اعْتِمَادُهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ قِيَاسٍ وَغَيْرِهِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ فِي الْمُهَذَّبِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً
جَعَلَهَا هُوَ مُرْسَلَةً وَلَيْسَتْ مُرْسَلَةً بَلْ هِيَ مُسْنَدَةٌ صَحِيحَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَكُتُبِ السُّنَنِ وَسَنُبَيِّنُهَا فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَحَدِيثِ نَاقَةِ الْبَرَاءِ وَحَدِيثِ الْإِغَارَةِ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَحَدِيثِ إجَابَةِ الْوَلِيمَةِ فِي اليوم الثالث ونظائرها والله أعلم
* فَصْلٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ إذَا كَانَ الْحَدِيثُ ضَعِيفًا لَا يُقَالُ فِيهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ فَعَلَ أَوْ أَمَرَ أَوْ نَهَى أَوْ حَكَمَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ صِيَغِ الْجَزْمِ: وَكَذَا لَا يُقَالُ فِيهِ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَوْ قَالَ أَوْ ذَكَرَ أَوْ أَخْبَرَ أَوْ حَدَّثَ أَوْ نَقَلَ أَوْ أَفْتَى وَمَا أَشْبَهَهُ: وَكَذَا لَا يُقَالُ ذَلِكَ فِي التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِيمَا كَانَ ضَعِيفًا فَلَا يُقَالُ في شئ مِنْ ذَلِكَ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ: وَإِنَّمَا يُقَالُ فِي هَذَا كُلِّهِ رُوِيَ عَنْهُ أَوْ نُقِلَ عَنْهُ أَوْ حُكِيَ عَنْهُ أَوْ جَاءَ عَنْهُ أَوْ بَلَغَنَا عَنْهُ أَوْ يُقَالُ أَوْ يُذْكَرُ أَوْ يُحْكَى أَوْ يُرْوَى أَوْ يُرْفَعُ أَوْ يُعْزَى وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ صِيَغِ التَّمْرِيضِ وَلَيْسَتْ مِنْ صِيَغِ الْجَزْمِ: قَالُوا فَصِيَغُ الْجَزْمِ مَوْضُوعَةٌ لِلصَّحِيحِ أَوْ الْحَسَنِ وَصِيَغُ التَّمْرِيضِ لِمَا سِوَاهُمَا.
وَذَلِكَ أَنَّ صِيغَةَ الْجَزْمِ تَقْتَضِي صِحَّتَهُ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُطْلَقَ إلَّا فِيمَا صَحَّ وَإِلَّا فَيَكُونُ الْإِنْسَانُ فِي مَعْنَى الْكَاذِبِ عَلَيْهِ وَهَذَا الْأَدَبُ أَخَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاهِيرُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ بَلْ جَمَاهِيرُ أَصْحَابِ الْعُلُومِ مُطْلَقًا مَا عَدَا حُذَّاقَ الْمُحَدِّثِينَ وَذَلِكَ تَسَاهُلٌ قَبِيحٌ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ كَثِيرًا فِي الصَّحِيحِ رُوِيَ عَنْهُ وَفِي الضَّعِيفِ قَالَ وَرَوَى فلان وهذا حيد عن الصواب
* فَصْلٌ صَحَّ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ إذَا وَجَدْتُمْ فِي كِتَابِي خِلَافَ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُولُوا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعُوا قَوْلِي: وَرُوِيَ عَنْهُ إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ خِلَافَ قَوْلِي فَاعْمَلُوا بِالْحَدِيثِ وَاتْرُكُوا قَوْلِي أَوْ قَالَ فَهُوَ مَذْهَبِي وَرُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ: وَقَدْ عَمِلَ بِهَذَا أَصْحَابُنَا فِي مَسْأَلَةِ التَّثْوِيبِ وَاشْتِرَاطِ التَّحَلُّلِ مِنْ الْإِحْرَامِ بِعُذْرِ الْمَرَضِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَقَدْ حَكَى الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ عَنْ الْأَصْحَابِ فِيهِمَا
* وَمِمَّنْ حَكَى عَنْهُ أَنَّهُ أَفْتَى

الصفحة 63