كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن (اسم الجزء: 1)

المعتبرة قوله تعالى بعد ذلك (فإذا تطهرن) فإن ذلك يفيد أن المعتبر التطهر لا مجرد انقطاع الدم، وقد تقرر أن القراءتين بمنزلة الآيتين فكما أنه يجب الجمع بين الآيتين المشتملة إحداهما على زيادة ما والعمل بتلك الزيادة، كذلك يجب الجمع بين القراءتين.
(فأتوهن من حيث أمركم الله) أي فجامعوهن، وكنى عنه بالإتيان والمراد أنهم يجامعوهن في المأتى الذي أباحه الله، وهو القبل، وقيل من حيث بمعنى في حيث كما في قوله تعالى (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة) أي في يوم الجمعة وقوله (ماذا خلقوا من الأرض) أي في الأرض وقيل أن المعنى من الوجه الذي أذن الله لكم فيه أي من غير صوم وإحرام واعتكاف، وقيل أن المعنى من قبل الطهر لا من قبل الحيض، وقيل من قبل الحلال لا من قبل الزنا.
(إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) قيل المراد التوابون من الذنوب والمتطهرون من الجنابة والأحداث، وقيل التوابون من إتيان النساء في أدبارهن وقيل من إتيانهن في المحيض والأول أظهر.
(نساؤكم حرث لكم) لفظ الحرث يفيد أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج الذي هو القبل خاصة إذ هو مزدرع الذرية كما أن الحرث مزدرع النبات فقد شبه ما يلقى في أرحامهم من النطف التي منها النسل بما يلقى في الأرض من البذور التي منها النبات بجامع أن كل واحد منهما مادة لما يحصل منه، وهذه الجملة بيان للجملة الأولى أعني قوله (فأتوهن من حيث أمركم الله).
(فأتوا حرثكم) أي محل زرعكم واستنباتكم الولد وهو القبل، وهذا على سبيل التشبيه، فجعل فرج المرأة كالأرض والنطفة كالبذر، والولد كالزرع (أنى شئتم) أي من أي جهة شئتم من خلف وقدام وباركةً ومستلقية ومضطجعة وقائمة وقاعدة ومقبلة ومدبرة إذا كان في موضع الحرث، وإنما عبر سبحانه بكلمة أنى لكونها أعم في اللغة من أين وكيف ومتى، وأما سيبويه ففسرها بكيف.

الصفحة 449