كتاب معاني القرآن للفراء (اسم الجزء: 1)

السكوت يجوز به طرح الفاء. وأنت تراه فِي رءوس الآيات- لأنها فصولٌ- حَسَنًا «1» من ذلك: «قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ. قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا» «2» والفاء حسنة مثل قوله: «فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا» «3» ولو كان على كلمة واحدة لم تُسقط العرب منه الفاء. من ذلك: قُمتُ ففَعَلْت، لا يقولون: قمت فعلت، ولا قلت قال، حَتَّى يقولوا: قُلْتُ فقال، وَقُمْتُ فقام لأنها نَسَقٌ وليست باستفهام يوقف عليه ألا ترى أنه: «قالَ» فرعون «لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ. قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ» «4» فيما لا أحصيه. ومثله من غير الفعل كثيرٌ فِي كتاب اللَّه بالواو وبغير الواو فأما الذي بالواو فقوله: «قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ» «5» ثُمَّ قَالَ بعد ذلك: «الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ» . وقال فِي موضع آخر: «التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ» «6» وقال فِي غير هذا: «إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ» «7» ثُمَّ قال فِي الآية بعدها: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا» ولم يقل: وإنّ.
فاعْرِفْ بما جَرى تفسير ما بقي، فإنه لا يأتي إلا على الَّذِي أنْبَاتك به من الفصول أو الكلام المكتفى يأتي له جوابٌ. وأنشدني بعضُ العرب:
لما رأيتُ نَبَطًا أنْصَارا ... شَمَّرتُ عن رُكْبَتِيَ الإزَارَا
كُنْتُ لها مِنَ النَّصارى جَارَا وقوله: لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ ... (68)
والعَوان ليست بنَعْتٍ لِلْبِكْرِ لأنها ليست بَهرِمَة ولا شابةً انقطع الكلام عند قوله: وَلا بِكْرٌ ثم استأنف فقال: عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ والعوان يقال منه
__________
(1) فى ش، ج: «حسنة» .
(2) آية 31 و 32 سورة الذاريات.
(3) آية 27 سورة هود.
(4) آية 25 و 26 سورة الشعراء.
(5) آية 15 و 17 سورة آل عمران.
(6) آية 112 سورة التوبة.
(7) آية 10 سورة البروج.

الصفحة 44