كتاب معاني القرآن للفراء (اسم الجزء: 1)

إلا هذين. وكذلك قول العرب: ما أكاد أَبرحُ منزلي وليس يبرحه وقد يكون أن يبرحه قليلا. والوجه الآخر- أن يكونوا يصدقون بالشيء قليلا ويكفرون بما سواه: بالنبي صلى اللَّه عليه وسلم فيكونون كافرين وذلك أنه يقال: من خلقكم؟
ومن رزقكم؟ فيقولون: اللَّه تبارك وتعالى، ويكفرون بما سواه: بالنبي صلى اللَّه عليه وسلّم وبآيات اللَّه، فذلك قوله: فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ. وكذلك قال المفسرون فِي قول اللَّه: «وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ» «1» على هذا التفسير.
وقوله: فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ ... (90)
لا يكون باؤ مفردة حَتَّى توصل بالباء. فيقال: باء بإثم يبوء بوءا.
وقوله بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ أن اللَّه غضب على اليهود فِي قولهم: «يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ» «2» . ثُمَّ غضب عليهم فِي تكذيب مُحَمَّد صلى اللَّه عليه وسلّم حين دخل المدينة، فذلك قوله: «فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ» .
وقوله: وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ ... (91)
يريد سواه، وذلك كثير فِي العربية أن يتكلم الرجلُ بالكلام الْحَسَن فيقول السامع: ليس وراء هذا الكلام شيءٌ، أي ليس عنده شيءٌ سواه.
وقوله: فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ ... (91)
يقول القائل: إنما «تَقْتُلُونَ» للمستقبل فكيف قال: «مِنْ قَبْلُ» ؟ ونحن لا نجيز فِي الكلام أَنَا أضربك أمس، وذلك جائز إذا أردت بتفعلون الماضي،
__________
(1) آية 106 سورة يوسف.
(2) . 64 سورة المائدة. [.....]

الصفحة 60