كتاب معاني القرآن للفراء (اسم الجزء: 1)

القرّاء: «أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا» يستفهم فى «أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا» بقطع الألف لينسّق عليه «أَمْ» لأن أكثر ما تجىء مع الألف وكل صواب. ومثله: «أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي» ثُمَّ قال: «أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا» والتفسير فيهما واحد. وربما جعلت العرب «أَمْ» إذا سبقها استفهام لا تصلح أي فِيهِ على جهة بل فيقولون: هَلْ لك قبلنا حق أم أنت رَجُل معروفٌ بالظلم.
يريدون: بل أنت رجلٌ معروف بالظلم وقال الشاعر:
فو الله ما أدْرِي أَسَلْمَى تَغَوّلَتْ «1» ... أَمِ النَّوْمُ أَمْ كُلُّ إِلَيّ حَبِيبٌ
معناه [بل كل إلى حبيب] «2» .
وكذلك تفعل العرب فِي «أو» فيجعلونها نسقًا مفرقة لمعنى ما صلحت فِيهِ «أحَدٌ» ، و «إحدى» كقولك: اضرب أحدهما زيدا أو عمرا، فإذا وقعت فِي كلام لا يراد به أحدٌ وإن صلحت جعلوها على جهة بل كقولك فِي الكلام:
اذهب إلى فلانٍ أو دع ذلك فلا تبرح اليوم. فقد دلك هذا على أن الرجل قد رجع عن أمره الأول وجعل «أو» فِي معنى «بل» ومنه قول اللَّه:
«وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ» وأنشدني بعض العرب «3» :
بَدَتْ مِثْلَ قَرْنِ الشمس فِي رونق الضحى ... وصورتها أو أنت فِي العين أملح «4»
يريد: بل أنت.
__________
(1) تغوّلت المرأة: تلونت.
(2) الزيادة من تفسير الطبري.
(3) آية 147 سورة والصافات.
(4) قرن الشمس: أعلاها. «وصورتها» بالجرّ عطف على قرن. وأملح: من ملح الشيء (بالضم) ملاحة أي بهج وحسن منظره. والبيت نسبه ابن جنى فى المحتسب إلى ذى الرمة، ولم نجده فى ديوانه.

الصفحة 72