كتاب الكاشف (اسم الجزء: 1)

ثم إنه اشتهر أن ابن معين يسوي بين " لا باس به و " ثقة ".
شهر ذلك عنه الامام ابن الصلاح في " مقدمته " في النوع الثالث والعشرين: معرفة من تقبل روايته ومن ترد، تحت المسالة الخامسة عشرة ص 134 من حاشية العراقي عليه، معتمدا على ما حكاه عن ابن معين تلميذه وراويته ابن أبي خيثمة، قال: " قال ابن أبي خيثمة: قلت ليحيى بن معين: إنك تقول: فلان ليس به باس، وفلان ضعيف، قال: إذا قلت لك " ليس به باس ": فهو ثقة، وإذا قلت لك " هو ضعيف " فليس بثقة، لا تكتب حديثه ".
ولم يحك هذه التسوية عن ابن معين أحد قبل ابن الصلاح، وتوبع على ذلك، ويبدو لي في هذا الحكم وقفة.
فالتامل في القصة يفيد أن ابن معين أراد في الشطر الاول من كلامه القبول العام، كما أنه أراد في الشطر الثاني الرد العام، فهو لم يرد من قوله: " فهو ثقة ": الثقة الاصطلاحية، إنما أراد القبول الشامل للثقة، ومن دونه بقليل بحيث لا يخرج عن دائرة القبول: ثقة، قوي، صدوق، لا باس به.
وأراد بقوله: " ليس بثقة ": غير مقبول، ولم يرد المرتبة الشديدة الضعف التي ينف عن صاحبها العدالة والضبط معا، فهي كقولنا: متروك، ساقط، واهي الحديث.
وإلا للزم أن نقول: من قال فيه ابن معين " ضعيف: فهو غير ثقة، أي: من المرتبة الثالثة من مراتب الجرح، في حين أن كلمة
ضعيف- من ألفاظ المرتبة الخامسة.
وخالفه العراقي في " شرح ألفيته " 2: 7 في التسوية بين: لا باس به، وثقة
1) ، فقال: " قلت: ولم يقل ابن معين: إن قولي: ليس به باس كقولي: ثقة، حتى يلزم منه التساوي بين اللفظين، إنما قال: إن من قال فيه هذا: فهو ثقة، وللثقة مراتب، فالتعبير عنه بقولهم
ثقة- أرفع من التعبى عنه بانه لا باس به، وإن اشتركا في مطلق الثقة.
والله أعلم ".
وتابعه الكمال ابن الهمام في " التحرير " 2: 248.
بشرح ابن أمير حاج عليه.
ويدل على أن " لا باس به ": دون " ثقة ": ما جاء في " تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي
244 - 246) : " وسالته عن مندل بن علي؟ فقال: ليس به باس.
قلت: وأخوه حبان بن علي؟ فقال: صدوق.
قلت: إيهما أحب إليك؟ فقال: كاهما وتمرا.
كانه يضعفهما "
2) .
فانظر كيف سوى بين: صدوق، ولا باس به، فقال: " كلاهما وتمرا "، وانظر إلى تعليق الدارمي عليه:

الصفحة 37