كتاب شرح القسطلاني = إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 1)

الذين باتوا دون الذين ظلوا إما للاكتفاء بذكر أحد المثلين عن الآخر نحو: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81]. أي والبرد إما لأن طرفي النهار يعلم من طرفي الليل وإما لأنه استعمل بات في أقام مجازًا فلا يختص ذلك بليل دون نهار ولا نهار دون ليل، فكل طائفة منهم إذا صعدت سئلت، ويؤيد هذا ما رواه النسائي عن موسى بن عقبة عن أبي الزناد، ثم يعرج الذين كانوا فيكم، بل في حيث الأعمش عن صالح عن أبي هريرة عند ابن خزيمة في صحيحه مرفوعًا ما يغني عن كثير من الاحتمالات ولفظه: "يجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر وصلاة العصر فيجتمعون في صلاة الفجر فتصعد

ملائكة الليل وتثبت ملائكة النهار، ويجتمعون في صلاة العصر فتصعد ملائكة النهار وتثبت ملائكة الليل".
(فيسألهم) تعبدًا لهم كما تعبدهم بكتب أعمالهم (وهو أعلم بهم) أي بالمصلّين من الملائكة فحذف صلة أفعل التفضيل ولابن عساكر فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم (كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون) الواو للحال لكنه استشكل لأنه يلزم منه مفارقتهم قبل أن يشهدوها معهم والحديث صرح بأنهم شهدوها معهم. وأجيب: بالحمل على شهودهم لها مع المصلي لها أول وقتها، وشهدوا من دخل فيها ومن شرع في أسبابها بعد ذلك والمنتظر لها في حكم مصلّيها، وهذا آخر الجواب عن سؤالهم كيف تركتم، ثم زادوا في الجواب لإظهار فضيلة المصلّين والحرص على ذكر ما يوجب مغفرة ذنوبهم فقالوا: (وأتيناهم وهم يصلون).
ولما كان المراد الإخبار عن صلاتهم والأعمال بخواتيمها حسن أن يخبروا عن آخر أعمالهم قبل أولها.
ورواة هذا الحديث مدنيون إلا شيخ المؤلّف فتنيسي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في التوحيد ومسلم في الصلاة وكذا النسائي فيها وفي البعوث.

17 - باب مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ الْغُرُوبِ
(باب) حكم (من) أي الذي (أدرك ركعة من العصر) أي من صلاتها (قبل الغروب) وللأصيلي قبل المغرب، ويحتمل أن تكون من شرطية حذف جوابها وتقديره فليتم صلاته.
556 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلاَتَهُ، وَإِذَا أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلاَتَهُ». [الحديث 556 - طرفاه في: 579، 580].
وبالسند قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا) وللأصيلي أخبرنا (شيبان) بن عبد الرحمن التيمي (عن يحيى) ولأبي الوقت فى نسخة عن يحيى بن أبي كثير بالمثلثة (عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إذا أدرك أحدكم سجدة) أي ركعة وهي إنما يكون تمامها بسجودها (من صلاة العصر قبل أن تغرب) وللأصيلي قبل أن تغيب (الشمس فليتم صلاته) أداء (إذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته) إجماعًا خلافًا لأبي حنيفة حيث قال: تبطل الصبح بطلوع الشمس لدخول وقت النهي، وهل هي أداء أم قضاء؟ الصحيح عندنا الأول أما دون الركعة فالكل قضاء عند
الجمهور، والفرق أن الركعة تشتمل على معظم أفعال الصلاة إذ معظم الباقي كالتكرير لها، فجعل ما بعد الوقت تابعًا لها بخلاف ما دونها، وعلى القول بالقضاء يأثم المصلي بالتأخير إلى ذلك وكذلك على الأداء نظرًا إلى التحقيق، وقيل: لا نظرًا إلى الظاهر المستند إلى الحديث، وقوله: فليتم جواب معنى الشرط المتضمن لإذا، ولذا دخلت الفاء.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصري وكوفي ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة وكذا النسائي ومسلم وابن ماجة.
557 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، أُوتِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ فَعَمِلُوا حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا. ثُمَّ أُوتِيَ أَهْلُ الإِنْجِيلِ الإِنْجِيلَ، فَعَمِلُوا إِلَى صَلاَةِ الْعَصْرِ ثُمَّ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا. ثُمَّ أُوتِينَا الْقُرْآنَ فَعَمِلْنَا إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَأُعْطِينَا قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ. فَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ: أَىْ رَبَّنَا أَعْطَيْتَ هَؤُلاَءِ قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ وَأَعْطَيْتَنَا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، وَنَحْنُ كُنَّا أَكْثَرَ عَمَلاً. قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجْرِكُمْ مِنْ شَىْءٍ؟ قَالُوا: لاَ. قَالَ: فَهْوَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ». [الحديث 557 - أطرافه في: 2268، 2269، 3459، 5021، 7467، 7533].
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) وللأصيلي ابن عبد الله الأويسي بضم الهمزة نسبة إلى أويس أحد أجداده (قال: حدّثني) بالإفراد وللأصيلي حدثنا (إبراهيم) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر ابن سعد بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي المدني (عن ابن شهاب) الزهري (عن سالم بن عبد الله) بن عمر (عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما (أنّه أخبره أنّه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(إنما بقاؤكم فيما) أي إنما بقاؤكم بالنسبة إلى ما (سلف قبلكم من الأمم كما بين) أجزاء وقت

الصفحة 497