كتاب بهجة المحافل وبغية الأماثل (اسم الجزء: 1)
قال فو الله لكأن عطفتهم على حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها فقالوا يا لبيك يا لبيك فاقتتلوا والكفار والدعوة في الأنصار يقولون يا معشر الأنصار ثم قصرت الدعوة على بنى الحارث بن الخزرج فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها الى قتالهم فقال هذا حين حمي الوطيس ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات فرمى بهنّ في وجوه الكفار ثم قال انهزموا ورب محمد قال فو الله ما هو الا أن رماهم بحصياته فما زلت أري حدهم كليلا وأمرهم مدبرا* وروي أن العباس لما ناداهم جعل الرجل منهم يثني بعيره فلم يقدر عليه فيقتحم عنه ويؤم الصوت حتى اجتمع منهم مائة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل ألف فاستعرضوا الناس وساروا قدما حتى فتح الله عليهم وكانت الهزيمة ونزل في ذلك قوله تعالى وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ
وغيره اين أصحاب سورة البقرة أراد المذكورين في قوله آمَنَ الرَّسُولُ قاله الطيبي (لكان عطفتهم على حين سمعوا صوتي) فيه دليل على عدم بعد فرارهم وعدم حصوله من جميعهم بل من الطلقاء ونحوهم ممن لم يستقر الايمان في قلبه (عطفة البقر) بالضم خبر كان المشددة (فاقتتلوا والكفار) بالنصب مفعول معه لا غير (والدعوة) بفتح الدال أي الاستغاثة والمناداة (في الانصار) أي اليهم (ثم قصرت) بفتح القاف وضم المهملة (هذا حين حمى الوطيس) بفتح الواو وكسر المهملة وسكون التحتية آخره سين مهملة وهو التنور أو شبهه فيه قولان يضرب مثلا لشدة الحرب الذى يشبه حرها حره وقال الاصمعي هى حجارة مدورة اذا حميت لم يقدر أحد يطأ عليها وقيل هو الضراب في الحرب وقيل هو الوطس الذي يطس الناس أي يدقهم قال العلماء هذه اللفظة من فصيح الكلام وبديعه الذى لم يسمع من أحد قبل النبي صلى الله عليه وسلم (ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات) في رواية أخرى لمسلم فقبض قبضة من تراب الارض ثم استقبل بها وجوههم (انهزموا ورب محمد) في الرواية الأخرى فيه شاهت الوجوه أي قبحت ففي كلا الحديثين كما قال النووى معجزتان ظاهرتان احداهما فعلية والاخرى خبرية ثم الجمع بينهما انه أخذ قبضة من حصى وقبضة من تراب فرمى بذامرة وبذامرة أو أخذ قبضة واحدة مخلوطة من حصى وتراب (فما زلت أرى حدهم كليلا) بفتح الحاء أى ما زلت أرى قوتهم ضعيفة (وروى ان العباس الى آخره) رواه ابن اسحق في سيرته وغيره (يثنى بعيره) يلويه وزنا ومعنى (فيقتحم عنه) أى يزل (ويؤم الصوت) أي يقصده (قدما) بضم القاف أي يقدم بعضهم بعضا وهذا وصف الشجعان (وكانت الهزيمة) تامة لا تحتاج الى خبر (ويوم حنين) أي ونصركم يوم حنين لانه معطوف على قوله لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ اشارة الى قول من قال لن نغلب اليوم عن قلة (فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً) لأن الظفر لا يكون بالكثرة وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ أي برحبتها وسعتها ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ منهزمين
الصفحة 421
468