كتاب بحوث وتحقيقات عبد العزيز الميمني (اسم الجزء: 1)
(العُباب الزاخر واللّباب الفاخر) وهو الإِمام الرضيّ الصاغاني العمريّ، أما سائر علماء اللغة فكان همَّ أكثرهم النقل والترتيب والاختصار والتفسير أو الجمع بين كتابين أو أكثر من دواوين اللغة.
وتقدّم لي أن نبهّت في مقدّمة (المداخلات) لأبي عمر الزاهد (1) على ما فات صاحب اللسان من نوادر اللغة وشواردها التي وردت في هذه الرسالة الوجيزة، فما ظنك بكتب جليلة أخرى من مصنفات أبي عمر الزاهد وأبي الطيّب اللغويّ ممّا لم تظفر بها أيدينا، وظاهر أنها لو وصلت الينا لوصل إلينا بها علم غزير مما فات هذه المعاجم كلّها أو جلّها، وبما أوردناه من الشواهد يتحقق لك أنا اليوم في حاجة حاقَّة إلى العناية بأمثال هذه المصنفات الجليلة والتنقيب عنها، والعناية بما بقي من أجزائها مبعثرًا أو مرمومًا في كثير من الخزائن الخاصة حتى نتمكن من جمع شذور لغتنا العربية وفرائدها التي يفيد منها التأليف الحديث.
هذا, ولعلك كنت قد قرأت في رسالة ابن القارح أمرَ تلك المسائل اللغوية التي سأل عنها سيف الدولة ابن خالويه وأبا الطيب اللغويّ، وكيف أجاب أبو الطيب من فوره عنها بقلم الحُمرة، وكيف عجز عن هذا ابن خالويه مع طول باعه، وذلك لاعتماده في اللغة على شيخه ابن دريد وعلم مدرسة البصرة خاصةً، ولاعتماد أبي الطيب على علم رجال الكوفة اللغويين الأثبات، ومثَل آخر ذكرته في مقدمة المداخلات (¬1)، وهو أمر امتحان علماء اللغة ببغداد لأبي عمر الزاهد في ثلاثين مسألة أملاها على ابن اليقاضي أبي عمر محمد بن يوسف وذكر غريبها وختمها ببيتين من الشعر، وكيف أن القاضي عرضَ على علماء اللغة هذه المسائل فتوقف فيها كثير منهم، وقال ابن دريد: هذه المسائل من موضوعات أبي عمر ولا أصل لشيء منها في اللغة، فبلغ ذلك أبا عمر فسأل القاضي إِحضارَ دواوين جماعة من قدماء الشعراء عيّنهم، ففتح القاضي خزانته وأخرج له تلك الدواوين، فلم يزل أبو عمر يخرج لكل مسألة شاهدًا من تلك الدواوين ويعرضه على القاضي حتى استوفاها كلها، ثم قال: وهذان البيتان أنشدهما ثعلب بحضرة القاضي فكتبهما بخطّه على ظهر الكتاب الفلاني فوجدهما القاضي على ظهره وبخطّه كما ذكر أبو عمر الزاهد المطرّز، وانتهت
¬__________
(¬1) مجلة المجمع العربي (9/ 610).
الصفحة 475
492