كتاب الرصف لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من الفعل والوصف (اسم الجزء: 1)
صبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أذى المشركين وتحمله ما نزل به وبأصحابه رضي الله عنهم منهم
49 - عن عائشة قالت: قُلتُ للنبي - صلى الله عليه وسلم -: هل أتى عليكَ يومٌ كان أشدَّ عليكَ من يوم أُحُد؟ قال: لقد لقيتُ مِن قومِكِ، وكان أشَدُّ ما لَقِيتُ [منهم] يوم العقبة، إذ عَرضْتُ نفْسي على ابْنِ عَبْدِ يا ليلِ ابنِ عَبدِ كُلال، فلم يُجِبنِي إلى ما أرَدْتُ، فانطلقتُ وأنا مغمومٌ على وجهي، فَلَم اسْتَفِق إلا وأنا بِقَرنِ الثَّعالِبِ (¬1) فرَفَعتُ رأسي، وإذ أنا بسَحَابَة قد أظَلَّتني، فنظَرتُ فإذا فِيها جِبْرِيلُ، فناداني، فقال: إنَّ الله قد سَمِع قول قومِكَ وَما رَدُّوا عَلَيكَ، وقد بَعَثَ إِلَيكَ مَلكَ الجِبَالِ لِتَأمُرَه بِما شِئتَ فِيْهِم، فَنَاداني مَلَكُ الجِبالِ، فسَلَّم عَلَيَّ، ثمَّ قال: يا محمَّد إن الله قد سَمِعَ قَولَ قَومِكَ لَكَ، وأنا مَلَكُ الجِبَال وقَدْ بَعَثني رَبُّكَ إِلَيكَ لِتَأمُرَنِي بِما شِئتَ، إن شِئتَ أطبَقْتُ عَلَيْهِمُ الأَخشَبَيْنِ (¬2)، قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: بل أرجو أنْ يُخْرِجَ الله مِن أصْلابِهِم مَن يَعْبُدُ الله وحْدَهُ لا يُشْرِكُ به شَيئًا. أخرجه البخاري ومسلم (¬3).
50 - عن عبد الله بن مسعود قال: أوَّلُ من أَظهَرَ إِسلامَهُ سَبْعَةٌ: النبيُّ
¬__________
(¬1) هو ميقات أهل نجد، ويقال له: قرن المنازل أيضًا، وهو على يوم وليلة من مكة، والقرن: كل جبل صغير منقطع من جبل كبير.
(¬2) هما جبلا مكة: أبو قبيس، والذي يقابله وكأنه قعيقعان، وسميا بذلك لصلابتهما وغلظ حجارتهما، والمراد بإطباقهما: أن يلتقيا على من بمكة، ويحتمل أن يريد أنهما يصيران طبقًا واحدًا.
(¬3) رواه البخاري 6/ 197 و 198 في بدء الخلق: باب ذكر الملائكة، ومسلم رقم (1795) في الجهاد: باب ما لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - من أذى المشركين وفي هذا الحديث بيان شفقة النبي - صلى الله عليه وسلم - على قومه، ومزيد صبره وحلمه، وهو موافق لقوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} وقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}.