كتاب خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر (اسم الجزء: 1)

من كراماته أَنه أَمر نَفسه أَن يَأْخُذ على الْحمار حمل حِنْطَة ليطحنها فَطلب النَّقِيب مِنْهُ عثمانيين لأجل اليسقية قَالَ وَالله مَا معي صبرهم فَتوجه النَّقِيب وفم الْعدْل مربوط وَالْحِنْطَة نازلة عِنْد فَم الْعدْل وَعند عقبه حَتَّى يحصل التعادل فَلَمَّا وصل إِلَى اليسقي امْتنع من ترك العثمانيين وَقطع الْحَبل المربوط بِهِ فَم الْعدْل بالخنجر وَالْحِنْطَة متراكمة عِنْد فَم الْعدْل فَلم يسْقط مِنْهَا حَبَّة وَاحِدَة فَضَجَّ اليسقي بالبكاء وَذهب إِلَى الشَّيْخ تَائِبًا خاضعا مُعْتَقدًا ووالده شيخ عَالم شرح البحاري على أساليب مجَالِس الْوَعْظ وَذكر فِيهِ مسَائِل حَسَنَة وفوائد نفيسة وَله تأليف جمع فِيهِ مَنَاقِب شَيْخه سعد الدّين ومناقب أَوْلَاده من بعده وَكَانَت وَفَاته سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن بزاوية جده رَحمَه الله تَعَالَى
الشَّيْخ أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مَحْمُود الْمَعْرُوف بِابْن الفرفور والفقيه الأديب الْحَنَفِيّ الدِّمَشْقِي ذكره البديعي فِي ذكرى حبيب وَقَالَ فِي حَقه هُوَ من ذَوي الْحسب والعراقة وأرباب اللسن والطلاقة وآباؤه صُدُور الدُّرُوس وزينة الْأَزْمِنَة والطروس
(جمال ذِي الأَرْض كَانُوا فِي الْحَيَاة وهم ... بعد الْمَمَات جمال الْكتب وَالسير)
قلت وَكَانَ أَحْمد هَذَا وَاسِطَة عقدهم وفذلكة حِسَاب مجدهم كَمَا قَالَ فِيهِ أَبُو بكر بن أَحْمد الْجَوْهَرِي
(أَبنَاء فرفور لقد حازوا العلى ... حَتَّى علوا فِي الْمجد هام الفرقد)

(ورثوا الْفَضَائِل كَابِرًا عَن كَابر ... وَكَمَال ذَلِك بالشهاب الأحمد)
ولد بِدِمَشْق وَقَرَأَ بهَا على عبد الْحق الْحِجَازِي وعَلى غَيره وَكَانَت لَهُ مُشَاركَة جَيِّدَة فِي الْفِقْه وَغَيره ودرس بالقضاعية الشَّافِعِيَّة وَاتفقَ أَن الدَّهْر ضرب على صماخيه بصمام الصمم فَكَانَ ثقل تِلْكَ الحاسة زادته خفَّة فَكَانَ لَا يجْتَمع إِلَّا بِبَعْض إخْوَان الْفَهم وألفوه وخلا بِنَفسِهِ واشتغل بِمَا هُوَ الأهم من أَمر معاشه ومعاده وَكَانَ لَهُ مَا يقوم بِهِ من وقف أجداده وتعاني النّظم وَكَانَ أَكثر مَا يمِيل طبعه إِلَى الأحاجي وَله فِي علمهَا وحلها الْيَد الطولي فَمن أحاجيه الَّتِي نظمها أحجية فِي نهروان كتب بهَا الأديب عبد اللَّطِيف المنقاري وَهِي قَوْله
(يَا من سقى الْفضل مَاء فكرته ... فَمِنْهُ يحيا رَبِيعه الخصب)

(مَا مثل من قَالَ وهوذ وظمأ ... وارى الحنايا لحعفر نصب)

الصفحة 299