كتاب خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر (اسم الجزء: 1)
الْقُرْآن وابتدأ التَّحْصِيل وَصَحب أكَابِر عصره وَأخذ عَنْهُم فَمن مشايخه الإِمَام عبد الرَّحْمَن بن شهَاب الدّين والعارف بِاللَّه تَعَالَى أَبُو بكر بن عَليّ خرد وَالسَّيِّد الْجَلِيل مُحَمَّد بن عقيل مذيحج وَالشَّيْخ الإِمَام أَبُو بكر بن سَالم عينات وَكَانَ هُوَ وَالسَّيِّد الْعَظِيم عبد الله بن سَالم كالتو أَمِين وَأخذ كل مِنْهُمَا عَن صَاحبه ورحلا على قدم التَّجْرِيد إِلَى الْحَرَمَيْنِ وَأخذ ابهما وباليمن عَن جمَاعَة كثيرين مِنْهُم الإِمَام الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى تَاج العارفين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي الْحسن الْبكْرِيّ وجاور بالحرمين عدَّة سِنِين وَكَانَت لَهُ مجاهدات ورياضات وَرُبمَا ترك أَلا كل مُدَّة وَكَانَ كثير الصّيام وَالْقِيَام سالكا مَسْلَك الصُّوفِيَّة مواظبا على السّنَن والآداب الشَّرْعِيَّة مَا يعلم بفضيلة الأعمل بهَا وَلَا يسمع بِكَرَاهَة أَلا اجتنبها وَبَلغت شهرته الْآفَاق فهرعت إِلَيْهِ النَّاس وَكَانَ كرمه فَوق الْغَايَة وَكَانَ ورعا يصدع بِالْحَقِّ وَكَانَت لَهُ دعوات مستجابات وَكَانَ يعتني بِكَلَام الشَّيْخ عمر با مخربه وشعره وبشرح الحكم لِابْنِ عباد وَكَانَ يحب القهوة وَيَأْمُر بشربها وَكَانَ يَقُول هَذِه الثَّلَاثَة يَعْنِي كَلَام با مخرمه واللذين بعده من النعم الَّتِي اخْتصَّ بهَا الْمُتَأَخّرُونَ ثمَّ فِي آخر عمره استوطن الحسيسه فَكَانَ ملْجأ للواردين والوافدين إِلَى أَن مَاتَ بهَا وَكَانَت وَفَاته فِي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَألف وقبر فِي أَسْفَل الْجَبَل وَبني على قَبره قبَّة عَظِيمَة رَحمَه الله تَعَالَى
السَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد بن لُقْمَان بن أَحْمد بن شمس الدّين بن الْمهْدي أَحْمد بن يحيى المرتضى اليمني الإِمَام المبرز فِي جَمِيع الْعُلُوم الكارع من مشارب الفهوم كَانَ من أرأس الْعلمَاء فِي عصره لَهُ مؤلفات مفيدة مِنْهَا شرح الكافل فِي علم الْأُصُول ومرقاة الْأُصُول للْإِمَام الْقَاسِم وَشرح الأساس لَهُ أَيْضا وَكَانَت وَفَاته فجر يَوْم الْخَمِيس تَاسِع رَجَب سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف دفن بقلعة غمار من جبل دازح
الشَّيْخ أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن يحيى بن عبد الرَّحْمَن بن أبي الْعَيْش بن مُحَمَّد أَبُو الْعَبَّاس الْمقري التلمساني المولد الْمَالِكِي الْمَذْهَب نزيل فاس ثمَّ الْقَاهِرَة حَافظ الْمغرب جاحظ الْبَيَان وَمن لم ير نَظِيره فِي جودة القريحة وصفاء الذِّهْن وَقُوَّة البديهة وَكَانَ آيَة باهرة فِي علم الْكَلَام وَالتَّفْسِير والْحَدِيث ومعحزاً باهراً فِي الْأَدَب والمحاضرات وَله المؤلفات الشائعة مِنْهَا عرف الطّيب فِي أَخْبَار ابْن الْخَطِيب وَفتح المتعال الَّذِي صنفه فِي أَوْصَاف نعل النَّبِي
وإضاءة الدجنة فِي عقائد أهل السّنة وأزهار الكمامة وأزهار الرياض فِي أَخْبَار القَاضِي عِيَاض وقطف المهتصر فِي أَخْبَار الْمُخْتَصر واتحاف المغري فِي تَكْمِيل شرح الصُّغْرَى وَعرف النشق فِي أَخْبَار دمشق والغث والسمين والرث والثمين وَروض الآس العاطر الأنفاس فِي ذكر من لَقيته من أَعْلَام مراكش وفاس والدر الثمين فِي أَسمَاء الْهَادِي الْأمين وحاشية شرح أم الْبَرَاهِين وَكتاب البدأة والنشأة كُله أدب ونظم وَله رِسَالَة فِي الوفق المخمس الْخَالِي الْوسط وَغير ذَلِك ولد بتلمسان وَنَشَأ بهَا وَحفظ اقرآن وَقَرَأَ وَحصل بهَا على عَمه الشَّيْخ الْجَلِيل الْعَالم أبي عُثْمَان سعيد بن أَحْمد الْمقري مفتي تلمسان سِتِّينَ سنة وَمن جملَة مَا قَرَأَ عَلَيْهِ صَحِيح البُخَارِيّ سبع مَرَّات وَرُوِيَ عَنهُ الْكتب السِّتَّة بِسَنَدِهِ عَن أبي عبد الله التنسي عَن وَالِده حَافظ عصره مُحَمَّد بن عبد الله التنسي عَن الْبَحْر أبي عبد الله بن مَرْزُوق عَن أبي حَيَّان عَن أبي جَعْفَر بن الزبير عَن أبي الرّبيع عَن القَاضِي عِيَاض بأسانيده الْمَذْكُورَة فِي كتاب الشفا وَالْأَحَادِيث المسندة فِي الشِّفَاء جَمِيعهَا سِتُّونَ حَدِيثا أفردها بَعضهم فِي جُزْء من أَرَادَ رِوَايَة الْكتب السِّتَّة من طَرِيقه فليأخذها من كتاب الشفا أَو من الْجُزْء الْمَذْكُور وَكَانَ يخبر عَن بَلْدَة تلمسان أَنَّهَا بَلْدَة عَظِيمَة من أحاسن بِلَاد الْمغرب وَأَنَّهَا فِي يَد العثمانيين سلاطين مملكتنا هِيَ الْحَد الْمَضْرُوب بَين سلطاننا وسلطان الْمغرب ورحل إِلَى فاس مرَّتَيْنِ مرّة سنة تسع بعد الْألف وَمرَّة سنة ثَلَاث عشرَة وَكَانَ يخبر أَنَّهَا دَار الْخلَافَة للمغرب وَكَانَ بهَا الْملك الْأَعْظَم مولَايَ أَحْمد الْمَنْصُور الْمَشْهُور بِالْفَضْلِ وَالْأَدب الْمُقدم ذكره وَأَن الْفَتْوَى صَارَت إِلَيْهِ فِي زَمَنه وَمن بعده لما اختلت أَحْوَال المملكة بِسَبَب أَوْلَاده إِلَى حَدِيث يطول ذكره ارتحل تَارِكًا للمنصب والوطن فِي أَوَاخِر شهر رَمَضَان سنة سبع وَعشْرين بعد الْألف قَاصِدا حج بَيت الله الْحَرَام وَأنْشد صَاحب مراكش متمثلاً قَول عَليّ بن عبد الْعَزِيز الْحَضْرَمِيّ
(محبتي تَقْتَضِي مقَامي ... وحالتي تَقْتَضِي الرحيلا)
فَأَجَابَهُ صَاحب مراكش بقوله
(لَا أوحش الله مِنْك قوما ... تعودوا صنعك الجميلا)
قلت وَبَيت الْحَضْرَمِيّ أول أَبْيَات ثَلَاثَة كتب بهَا الْعِزّ الدولة ابْن سقمون وَكَانَ فِي خدمته وَبعده
(هَذَانِ خصمان لست أَقْْضِي ... بَينهمَا خوف أَن أميلا)
(فَلَا يزَالَانِ فِي خصام ... حَتَّى أرى رَأْيك الجميلا)
الصفحة 302