كتاب خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر (اسم الجزء: 1)

(لَو بِغَيْر الْأَقْدَام يسْعَى مشوق ... جِئْته زَائِرًا على وَجه شكري)
فَأَجَابَهُ الْمقري بقوله
(أَي نظم فِي حسنه حَار فكري ... وتحلى بدره صدر ذكري)

(طَائِر الصيت لِابْنِ شاهين ينمي ... من بروض الندى لَهُ خير ذكر)

(أَحْمد الممتطين ذرْوَة مجد ... لعوان من الْمَعَالِي وَبكر)

(حل مِفْتَاح فَضله بَاب وصل ... من مَعَاني تَعْرِيفه دون نكر)

(يَا بديع الزَّمَان دم فِي ازدياد ... بالعلى وازدياد تجنيس شكر)
وَلما دخل إِلَيْهَا أَعْجَبته فَنقل أَسبَابه إِلَيْهَا واستوطنها مُدَّة إِقَامَته وأملى صَحِيح البُخَارِيّ بالجامع تَحت قبَّة النسْر بعد صَلَاة الصُّبْح وَلما كثر النَّاس بعد أَيَّام خرج إِلَى صحن الْجَامِع تجاه الْقبَّة الْمَعْرُوفَة بالباعونية وحضره غَالب أَعْيَان عُلَمَاء دمشق وَأما الطّلبَة فَلم يتَخَلَّف مِنْهُم أحد وَكَانَ يَوْم خَتمه حافلاً جدا اجْتمع فِيهِ الألوف من النَّاس وعلت الْأَصْوَات بالبكاء فنقلت حَلقَة الدَّرْس إِلَى وسط الصحن إِلَى الْبَاب الَّذِي يوضع فِيهِ الْعلم النَّبَوِيّ فِي الْجُمُعَات من رَجَب وَشَعْبَان ورمضان وأتى لَهُ بكرسي الْوَعْظ فَصَعدَ عَلَيْهِ وَتكلم بِكَلَام فِي العقائد والْحَدِيث لم يسمع نَظِيره أبدا وَتكلم على تَرْجَمَة البُخَارِيّ وَأنْشد لَهُ بَيْتَيْنِ وَأفَاد أَن لَيْسَ للْبُخَارِيّ غَيرهمَا وهما
(اغتنم فِي الْفَرَاغ فضل رُكُوع ... فَعَسَى أَن يكون موتك بغته)

(كم صَحِيح قد مَاتَ قبل سقيم ... ذهبت نَفسه النفيسة فلته)
قلت وَرَأَيْت فِي بعض المجاميع نقلا عَن الْحَافِظ ابْن حجر أَنه وَقع للْبُخَارِيّ ذَلِك أَو قريب مِنْهُ وَهَذِه من الغرائب انْتهى وَكَانَت الجلسة من طُلُوع الشَّمْس إِلَى قرب الظّهْر ثمَّ ختم الدَّرْس بِأَبْيَات قَالَهَا حِين ودع الْمُصْطَفى
وَهِي قَوْله
(يَا شَفِيع العصاة أَنْت رجائي ... كَيفَ يخْشَى الرَّجَاء عنْدك خيبه)

(وَإِذا كنت حَاضرا بفؤادي ... غيبَة الْجِسْم عَنْك لَيست بغيبة)

(لَيْسَ بالعيش فِي الْبِلَاد انْقِطَاع ... أطيب الْعَيْش مَا يكون بطيبه)
وَنزل عَن الْكُرْسِيّ فازدحم النَّاس على تَقْبِيل يَده وَكَانَ ذَلِك نَهَار الْأَرْبَعَاء سَابِع عشرى رَمَضَان سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَألف وَلم يتَّفق لغيره من الْعلمَاء الواردين إِلَى دمشق مَا اتّفق لَهُ من الحظوة وإقبال النَّاس وَكَانَ بعد مَا رأى من أَهلهَا مَا رأى كثر الاهتمام بمدحها وَقد عقد فِي كِتَابه عرف الطّيب فصلا يتَعَلَّق بهَا وبأهلها

الصفحة 305