كتاب خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر (اسم الجزء: 1)
(قلت هَذَا الْجمال لما تبدى ... أشغل الْكَاتِبين عَن سيئاتي)
وَدخل حلب أثر ذَلِك ثمَّ وصل إِلَى الرّوم وَكَانَ إِذْ ذَاك مفتيها الْمولى يحيى بن زَكَرِيَّاء فَأَعْرض عَنهُ أجل أُمُور انتقدت عَلَيْهِ أَيَّام قَضَائِهِ فِي سلانيك ومصر من الجرأة وَبَعض الطمع فَصنعَ مقامته الَّتِي ذكرهَا فِي الريحانة وَتعرض فِيهَا للْمولى الْمَذْكُور فَكَانَ ذَلِك سَببا لنفيه إِلَى مصر وَأعْطى قَضَاء ثمَّة على وَجه الْمَعيشَة فاستقر بِمصْر يؤلف ويصنف ويقرى وَأخذ عَنهُ جمَاعَة اشتهروا بِالْفَضْلِ الباهر من جُمْلَتهمْ الْعَلامَة عبد الْقَادِر الْبَغْدَادِيّ وَالسَّيِّد أَحْمد الْحَمَوِيّ وَغَيرهمَا وَاجْتمعَ بِهِ وَالِدي المرحوم فِي مُنْصَرفه إِلَى مصر وَأخذ عَنهُ وَكتب عَنهُ أصل الريحانة الَّذِي سَمَّاهُ خبايا الزوايا فِيمَا فِي الرِّجَال من البقايا وَكتب مِنْهَا فِي دمشق نسخ وَمن ثمَّ اشتهرت فضيلته وَذكره فِي رحلته فَقَالَ ثمَّ جِئْت إِلَى رياض الْعُلُوم المزهرة بأصناف الْفُنُون من منثور ومنظوم فجنيت زهر الْآدَاب من تِلْكَ الحدائق الرحاب فَكَانَ بَيت قصيدها وواسطة عقدهَا وفريدها مَالك أزمة هَذِه الصِّنَاعَة وَفَارِس حلبة البلاغة والبراعة جناب الْمولى الشهَاب انسان عين الموَالِي وزبدة الأحقاب
(عَلامَة الْعلمَاء واللج الَّذِي ... لَا يَنْتَهِي وَلكُل لج سَاحل)
قد أشرقت بشموس علومه أفلاكها ولمع بسنا الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم سماكها وتحلت أجياد الطروس بعقود أَلْفَاظه وراجت نقود آدابه فِي سوق عكاظه قد اتّفقت كلمة الكملة أَنه وَاحِد عصره بِلَا خلاف وأقرت لَهُ عُلَمَاء دهره فِي حِيَازَة السَّبق بالاعتراف فانتهت إِلَيْهِ الْيَوْم بلاغة البلغاء فَمَا تظل الخضراء وَلَا تقل الغبراء فِي زَمَاننَا أجْرى مِنْهُ فِي ميدانها وَأحسن تَصرفا بعنانها وَأما فنون الْآدَاب فَهُوَ بن بجدتها وأخو جُمْلَتهَا وَأَبُو عذرتها وَمَالك أزمتها
(فَإِن أقرّ على رق أنامله ... أقرّ بِالرّقِّ كتاب الْأَنَام لَهُ)
قد سقت عُيُون قريحته الْمسَائِل وبسقت فِي روضه أَغْصَان الْفَضَائِل فَصَارَ عَزِيز مصر وقاضيها وناشر لِوَاء الْعَدَالَة فِي نَوَاحِيهَا وَبنى وشيد بأيدي تحريراته معالم التَّنْزِيل ونضا قناع خفايا الْأَسْرَار بمحكم التَّأْوِيل فكم أبدع بِمَا أودع فِي خبايا الزوايا فِيمَا فِي الرِّجَال من البقايا فنظمه نفثات السحر وقلائد النَّحْر وغمزات الألحاظ المراض وعطفات الحسان بعد الْأَعْرَاض ونثره النثرة إشراقا وحباب الصَّهْبَاء رونقا واتسانا
الصفحة 334