كتاب خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر (اسم الجزء: 1)
يُقَال شعر معجز والسجع مَا تؤلفه الْكُهَّان وَقد أنكر
على من سجع عِنْده على مَا عرف فِي كتب الحَدِيث وَلَو كَانَ سجعاً لَكَانَ قبيحاً لتقارب أوزانه وَاخْتِلَاف طرقه فَيخرج عَن نهجه الْمَعْرُوف وَيكون كشعر غير مَوْزُون وَمَا احْتَجُّوا بِهِ من التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير لَيْسَ بِشَيْء وَأَنه كذكر الْقِصَّة بطرق مُخْتَلفَة أَقُول أَطَالَ بِلَا طائل لتوهمه أَن السجع كالشعر لالتزام تقفيته مَا يُنَافِي جزالة الْمَعْنى وبلاغته لاستتباعه للحشو والمخل وَأَن الإعجاز بمخالفته لأساليب الْكَلَام فشنع على هَؤُلَاءِ الْأَعْلَام وَلَيْسَ بِشَيْء وَالْعجب مِنْهُ أَنه ذكر كَلَام الباقلاني مَعَ التَّصْرِيح فِيهِ بِأَن من السّلف من ذهب إِلَيْهِ وَالْحق أَنه وَقع فِي الْقُرْآن من غير الْتِزَام لَهُ فِي الْأَكْثَر فَكَانَ من نَفَاهُ نفي الْتِزَامه أَو أكثريته وَمن أثْبته أَرَادَ وُرُوده فِيهِ على الْجُمْلَة فاحفظه وَلَا تلْتَفت إِلَى مَا سواهُ وَهَذَا مِمَّا ينفعك فِيمَا سَيَأْتِي وَلذَا فصلنا هُنَا لتَكون على ثَبت مِنْهُ وَالَّذِي عَلَيْهِ الْعلمَاء أَنه تطلق الفواصل عَلَيْهِ دون السجع انْتهى وَمن غَرَائِبه الَّتِي زلق فِيهَا قلمه قَوْله عِنْد قَول القَاضِي وقرىء صِرَاط من أَنْعَمت فِيهِ دَلِيل على جَوَاز إِطْلَاق الْأَسْمَاء المبهمة على الله كَمَا ورد فِي الْأَحَادِيث الْمَشْهُورَة يَا من بِيَدِهِ الْخَيْر وَنَحْوه فَلَا يغرنك مَا نَقله الْحَفِيد عَن صَاحب الْمُتَوَسّط من مَنعه فَهَذَا مِنْهُ غَفلَة إِذْ من فِي الْقُرْآن لَيست وَاقعَة على الله حَتَّى يسْتَدلّ بهَا على جَوَاز الاطلاق انْتهى ونوقش فِي الْبَيْت الْمَشْهُور
(كَأَنَّهُ فَوق شقات الرخام ضحى ... مَاء يسيل على أَثوَاب قصار)
بعد قَوْله
(لله يَوْم بحمام نعمت بِهِ ... وَالْمَاء من حَوْضه مَا بَيْننَا جاري)
فَقيل لَهُ أَنه عيب حَتَّى قيل فِي قَائِله
(وشاعر أوقد الطَّبْع الذكي لَهُ ... فكاد يحرقه من فرط لألاء)
(أَقَامَ يعْمل أَيَّامًا رويته ... وَشبه المَاء بعد الْجهد بِالْمَاءِ)
فَقَالَ هَذَا الْعَيْب لَيْسَ بِشَيْء فَإِنَّهُ شبه هَذَا الرخام فِي الْحمام بشقة قصار جرى عَلَيْهَا المَاء وَلم يرد تَشْبِيه المَاء وَلَكِن مَا ذكر فِي الطَّرفَيْنِ جَاءَ بَارِدًا فَأَشَارَ الشَّاعِر إِلَى برودته فِي كَلَامه بِمَا ذكره وَله ديوَان شعر وقفت عَلَيْهِ وكل شعر مفروغ فِي قالب لإجادة وَمن أجوده قصيدته الدالية الْمَشْهُورَة وَهِي قَوْله
(قدحت رعود الْبَرْق زندا ... أضرّ من أشجانا ووجدا)
(فِي فَحْمَة الظلماء إِذْ ... مدت على الخضراء بردا)
الصفحة 336