كتاب خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر (اسم الجزء: 1)

فَأخْبرهُ بِهِ فَأرْسل إِلَيْهِ فَلَمَّا مثل بَين يَدَيْهِ أرَاهُ التوقيع وَقَالَ أَلَيْسَ هَذَا بخطك فاعترف بِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي كتبه فَأمر بِقطع يَمِينه وَعين لَهُ من بَيت المَال مَا يَكْفِيهِ فِي كل يَوْم وقصده الشُّعَرَاء من الْبِلَاد ومدحه جمَاعَة مِنْهُم وَالِدي المرحوم فَإِنَّهُ مدحه بِثَلَاث قصد أحداها الَّتِي أَولهَا
(طيف يمثله الغرام بفكره ... أرجا يحار بطيه وبنشره)
وَهِي قصيدة فائقة فِي بَابهَا وَكتب إِلَيْهِ رسائل عَجِيبَة الْإِنْشَاء وترجمه تَرْجَمَة استوعب الْمَدْح بِجَمِيعِ أفانينه فِيهَا وَكتب إِلَيْهِ الْأَمِير المنجكي فِي صدر رِسَالَة
(يَا سيد الوزراء دَعْوَة مقْعد ... محت الْحَوَادِث رسمه فَعَسَى عَسى)

(فَانْظُر إِلَيْهِ برأفة بل رَحْمَة ... يَكْفِيك من جرح الأسا ياما احتسى)

(قد كَانَ سحبان الزَّمَان فَضِيلَة ... قطعت علوفته فَأصْبح أخرسا)
وَمن الْغَزَوَات الَّتِي وَقعت أَيَّام وزارته وَعين إِلَيْهَا غَزْوَة إيوار عينه السُّلْطَان مُحَمَّد إِلَى فتحهَا فَسَار بِجَمِيعِ العساكر إِلَيْهَا وحاصرها وَوَقع بَينه وَبَين كفار المجر وقْعَة عَظِيمَة ومكروا بعسكره مَرَّات وخلصهم الله تَعَالَى بيمن تَدْبيره ثمَّ افتتحها فِي حادي عشري صفر سنة أَربع وَسبعين وَألف وَهدم مِمَّا يَليهَا قلعة تسمى بالقلعة الجديدة كَانَت الْكفَّار بنوها ليتحصنوا بهَا وَبَعْدَمَا قدم إِلَى مقرّ الدولة وَاسْتقر مُدَّة وَقد قويت شوكته وعظمت مهابته أَمر مخدومه بِالسَّفرِ إِلَى جَزِيرَة كريد لفتح بَلْدَة قندية الَّتِي كَانَت بَقِيَّة فِي هَذِه الجزيرة من بَين بلادها لم تفتح كَمَا شرحنا ذَلِك فِي تَرْجَمَة السُّلْطَان إِبْرَاهِيم فوصلها فِي خَامِس ذِي الْقعدَة سنة سبع وَسبعين وَألف وَبنى بِالْقربِ مِنْهَا مَكَانا كَانَ متهدماً لتهيئة مهمات الْحصار ثمَّ نزلها بِمن مَعَه من العساكر وَكَانَ أَهلهَا حصنوها بأَشْيَاء لَا يُمكن حصرها وأضافوا لسورها سوراً آخر عمروه من دَاخل السُّور الْقَدِيم وَطَالَ الْحَرْب بَين الْفَرِيقَيْنِ مُدَّة ثمَّ افتتحها صلحا فِي غرَّة جُمَادَى الأولى سنة ثَمَانِينَ وَألف ووردت البشائر إِلَى الْأَطْرَاف بالزينة وَكَثُرت تباشير النَّاس بِفَتْحِهَا وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن أمرهَا كَانَ بلغ الْغَايَة وَطَالَ حَتَّى مل النَّاس من خَبَرهَا وَأَكْثَرت الشُّعَرَاء من التواريخ لهَذَا الْفَتْح وعملت الْقَصْد العجيبة حَتَّى رَأَيْت بعض الْفُضَلَاء أفرد الْأَشْعَار الَّتِي نظمت فِي ذَلِك وَفِي مدح الْوَزير صَاحب التَّرْجَمَة فبلغت شَيْئا كثيرا وَمن نوادرها التَّارِيخ اللَّفْظِيّ الْمَعْنَوِيّ لصاحبنا الشَّيْخ الْفَاضِل أَحْمد الصَّفَدِي وَهُوَ قَوْله فِي عَام ألف وَثَمَانِينَ عَام وَمن التهنئات

الصفحة 354