كتاب خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر (اسم الجزء: 1)

قصيدة الْعَلامَة الأديب الْمَشْهُور مصطفى بن عُثْمَان البابي الْحلَبِي قَاضِي الْمَدِينَة المنورة الْآتِي ذكره وَهِي من جيد شعره ومطلعها
(لَك الله من ندب أذاهم صمما ... وطلاع أنجاد إِذا أم تمما)

(نقاب بأعقاب الْأُمُور مُحدث ... كَأَن لَهُ مِنْهَا عَلَيْهَا مسترجما)

(إِذا عرضت فِي جَانب الْملك زيغة ... أَرَاهَا قذى الأجفان أَو تتقوما)

(وَقَامَ بأعباء الوزارة ناصحاً ... ووطأ فاستقصى وشاد فأحكما)

(من النَّضر الغر الألى تركت لَهُم ... عزائمهم فِي غرَّة الدَّهْر مبسما)

(إِذا ظمئت بيض الظبا فِي أكفهم ... تحاشوا لَهَا وردا سوى مصدر الظما)

(لقد قرنوا بالنجدة الْعلم والتقى ... فقد نظموا طعمين شَهدا وعلقما)

(فَفِي الجدب يستسقى بفضلهم احيا ... وَفِي الروع يستسقى ببيضهم الدما)

(فيا أَسد الله الَّذِي إِن يحرم الفريسة ... أقراهم من الْأسد مطعما)

(لِيَهنك فتح بَشرته سعوده ... بإقبال عز يمْلَأ الأَرْض والسما)

(رَأَيْت بِهِ الْإِسْلَام يلتام شعبه ... وَقد كربت أَرْكَانه أَن تهدما)

(فعلت بِجَيْش الْكفْر مَا أَنْت فَاعل ... وجرعته كأساً من الذل علقما)

(فأخرت حَتَّى لم يجد مُتَأَخِّرًا ... وأقدمت حَتَّى لم يجد مُتَقَدما)

(وَمَا اخْتَار موج الْبَحْر إِلَّا لِأَنَّهُ ... رأى موجه من موج سَيْفك أسلما)

(فطوقتها طوق الْحَمَامَة نعْمَة ... وَإِنَّا لنَرْجُو فَوْقهَا لَك أنعما)

(إِلَى أَن تعود الأَرْض بالأمن كعبة ... حَرَامًا وكل الدَّهْر شهرا محرما)
وَبَعْدَمَا مهد أمورها وَبنى مَا كَانَ تهدم أَيَّام الْمُحَاربَة من مساكنها رَجَعَ إِلَى مقرّ حكومته وَكَانَ السُّلْطَان إِذْ ذَاك بأدرنة فَأَقَامَ مُدَّة ثمَّ عينه السُّلْطَان إِلَى محاربة الْقَوْم المعروفين بالليه من النَّصَارَى فَسَار فِي جمع عَظِيم لم يشْهد مثله وافتتح قلعة قمنيجة فِي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَعَاد إِلَى أدرنة وَأخذ فِي نقض الْأُمُور وإبرامها على الْوَجْه الحميد والرأي السديد ثمَّ تَغَيَّرت أطواره وحببت إِلَيْهِ الْعُزْلَة فَانْقَطع عَن الدِّيوَان وتعاطى الْمصَالح واشتغل باتخاذ الندماء وَكَانَ مَجْلِسه كُله فَوَائِد وَلم ينْسب إِلَيْهِ مَا يشينه سوى بعض التشاغل عَن أُمُور الرّعية وَإِلَّا فقد يُقَال إِن جَمِيع مزايا الْحسن جمعت فِيهِ فحاز من كل وصف كَمَاله وغايته ثمَّ رَحل السُّلْطَان من أدرنة إِلَى قسطنطينية وَذَلِكَ فِي أواسط الْمحرم سنة سبع وَثَمَانِينَ وَألف فَرَحل هُوَ مَعَه فَعِنْدَ وُصُوله ابتدأه

الصفحة 355