كتاب خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر (اسم الجزء: 1)
الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي ثمَّ الْحَنَفِيّ إِمَام الدرويشية صاحبنا الشَّيْخ الْأَجَل الأديب الْفَاضِل اللبيب الشَّاعِر كَانَ فِيمَا تحققته من حَاله كثير الْفضل غَايَة فِي حسن الْأَخْلَاق سخي الطَّبْع لطيف المعاشرة ظريف النُّكْتَة والنادرة حمولاً صَدُوقًا صحبته من سنة أَربع وَسبعين إِلَى أَن مَاتَ فَمَا أنْكرت شَيْئا من أخلاقه وَكَانَ كثير الشّعْر ندي الْقَلَم وشعره عَلَيْهِ مسحة من الطلاوة وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ مِمَّن يُنَوّه بِذكرِهِ وَلَا يهمل إِيرَاد شعره ولد بصفد وَقدم إِلَى دمشق وَمَا جَاوز الْعشْرين بِكَثِير فَأَقَامَ بِجَامِع المرادية مشتغلا بِعلم القراآت وَنسخ الْكتب وَكتب كثيرا ثمَّ قَرَأَ على جمَاعَة من الْعلمَاء مِنْهُم الشَّيْخ مَنْصُور السطوحي وَالشَّيْخ عبد الْقَادِر الصفوري واستجازهما فَأَجَازَهُ بمالهما وَحج فَأخذ عَن عُلَمَاء الْحَرَمَيْنِ ثمَّ تقلبت بِهِ الْأَحْوَال إِلَى أَن صَار شَاهدا بالمحكمة الْكُبْرَى ومحكمة الْبَاب ثمَّ ترك وَصَارَ إِمَامًا بِجَامِع المرحوم درويش باشا وخطيبا بِجَامِع الأغا وسافر إِلَى الرّوم مَرَّات ونال جِهَات ومعاليم ودرس بالعمرية وَوعظ بالجامع فِي يَوْم الاربعاء وَكَانَ يُقيم أَكثر أوقاته بالخلوة بِجَامِع الدرويشية يدرس فِيهَا القراآت والْحَدِيث والعقائد وَالْفِقْه وَالْأَدب وَله من التآليف منظومة فِي العقائد وَكتاب جمع فِيهِ ألف حَدِيث رتبها على حُرُوف المعجم وَجمع من شعره ديوانا فَسرق ثمَّ جمع آخر أَكْثَره من شعره المستجد بعد ذَلِك وظفر فِي مسوداته بِبَعْض الْمَسْرُوق فألحقه وَكنت فِي بعض الْأَحَايِين أداعبه إِذا قَرَأت لَهُ شعرًا من الدِّيوَان الْمَذْكُور فَأَقُول لَهُ أَظن هَذَا من الشّعْر الْمَسْرُوق فيفطن للغرض فيبتسم وَمِمَّا اتّفق لَهُ أَن الشَّيْخ مصطفى بن سعد الدّين كَانَ دعاءه وَشَيخنَا الشَّيْخ عبد الْغَنِيّ النابلسي وَعين يَوْمًا للدعوة ثمَّ عرض لَهُ مَانع فَأرْسل يعْتَذر إِلَيْهِمَا وَكَانَ ذَلِك فِي سنة ثَلَاث وَسبعين فأرخ شَيخنَا تبطيله الدعْوَة الشَّيْخ قلب وتوارد مَعَه صَاحب التَّرْجَمَة مؤرخاً بقوله قلب الشَّيْخ وَكنت كثيرا مَا استنشده التاريخين وَأَقُول لَهُ أرى الشَّيْخ قلب الشَّيْخ قلب وَمن مستظرفاته مَا كتبه إِلَى شَيخنَا النابلسي الْمَذْكُور يستدعيه إِلَى روض وأرخ الدعْوَة بقوله
(مَجْلِسنَا عبد الْغَنِيّ نزهة ... لناظر خَال عَن الْخَوْض)
(فشرفونا واحضروا عندنَا ... فَنحْن فِي التَّارِيخ فِي روض)
وَوَقع بيني وَبَينه مخاطبات نظماً ونثراً كَثِيرَة فَمن ذَلِك مَا كتبه إِلَيّ وَأَنا بالروم قَوْله
(على الحبر الْأَجَل الْمُسْتَقيم ... طراز الْجُود ذِي الْفضل العميم)
الصفحة 357