كتاب خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر (اسم الجزء: 1)
فَأَشَارَ فِي بعض أبياتها إِلَيْهِ وَطعن فِيهَا بسنان بَيَانه عَلَيْهِ ومطلعها
(سلا من دمي ذَات الخلاخل وَالْعقد ... بِمَاذَا استحلت أَخذ روحي على عمد)
(فَإِن أمنت أَن لَا تقاد بِمَا جنت ... فقد قيل أَن لَا يقتل الْحر بِالْعَبدِ)
مِنْهَا وَهُوَ مَحل الْغَرَض
(أغث مَكَّة وانهض فَأَنت مؤيد ... من الله بِالْفَتْح المقوض وَالْجد)
(وَقدم أَخا ود وَأخر مباغضا ... يساور طَعنا فِي الْمُؤَيد وَالْمهْدِي)
(ويطعن فِي كل الْأَئِمَّة مُعْلنا ... ويرضى عَن ابْن الْعَاصِ والنجل من هِنْد)
فَلم يحصل مِنْهُ على طائل إِلَّا مَا أجَازه من فضل ونائل فَعَاد إِلَى مَكَّة المشرفة سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَأقَام بهَا سنتَيْن ثمَّ توجه إِلَى الديار الرومية فِي أواسط شهر ربيع الثَّانِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين قَاصِدا ملكهَا السُّلْطَان مُرَاد خَان فورد عَلَيْهِ قسطنطينية الْعُظْمَى مقرّ ملكه وَاجْتمعَ بِهِ ومدحه بقصيدة فريدة وَسَأَلَهُ فِيهَا تَوليته مَكَّة المشرفة وأنشده إِيَّاهَا فِي أَوَاخِر شَوَّال سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَألف ومطلعها قَوْله
(أَلا هبي فقد بكر النداما ... وَمَج المرج من ظلم الندى مَا)
فَيُقَال أَنه أَجَابَهُ إِلَى ملتمسه وَمرَاده وأرعاه من مقْصده أخصب مُرَاده وَلَكِن مدت إِلَيْهِ يدا لهلك قبل نيل الْملك وَقيل أجزل صلته فَقَط فقد طمعه عَمَّا تمناه وقط وَلم يعد إِلَى مَكَّة وَتُوفِّي فِي تِلْكَ السّنة أَو الَّتِي تَلِيهَا وظفرت فِي آثَار السَّيِّد مُحَمَّد بن العرضي الْحلَبِي بِذكرِهِ فِي تَرْجَمَة أفردها لَهُ وَهِي من محَاسِن الْمَقُول فَذَكرتهَا تَتِمَّة للفائدة وَالْمَقْصُود التطرية وَمَا تمّ لَهَا أحسن من الْكَلَام الْمُهَذّب الْجَارِي عَن أَمْثَال هَذَا فَقَالَ فِي حَقه النقاب ابْن النقاب وَمن غذي بلبان أبي تُرَاب نبغة من الشَّجَرَة النَّبَوِيَّة الزاكية النجار المعجونة طينتها برند نجد والعرار طلع علينا بحلب سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَألف طُلُوع الْبَدْر فِي الدراه وَألقى بهَا عَصا التسيار وَكَأَنَّهُ من الْكَوَاكِب السيارة فَنزل مِنْهَا بصدر رحيب وقابلته بتأهيل وترحيب وكل من أبنائها تشوق لنزوله عِنْده فِي السعَة قَائِلا بِلِسَان الْحَال هَلُمَّ يَا ابْن رَسُول الله إِلَى الرَّاحَة والدعة فَأبى أَن ينزل الْأَعْلَى أفقر بَيت فِي الْمَدِينَة وَأَصْلحهُ هُوَ بَيت الشَّيْخ الزَّاهِد نَاصِر الدُّنْيَا وَالدّين الْمَعْرُوف بالصائغ وَمن ذيله بِالطَّهَارَةِ الدِّينِيَّة ضاف وسابغ مقتديا فِي ذَلِك بجده رَسُول الله
حِين دخل الْمَدِينَة فَكَانَ كلما مر على دَار من دور الْأَنْصَار يَدعُونَهُ إِلَى الْمقَام عِنْدهم يَا رَسُول الله
الصفحة 360