كتاب خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر (اسم الجزء: 1)

(وَفك أَسِير أسر لَيْسَ يرضى ... بِأَن يغشى وَإِن خَفِي الملاما)

(فَقل سل تعط أَعْطَاك الَّذِي لم ... يخف نقصا وَلم يخْش انتقاما)

(مدى الْأَيَّام تخْفض ذَا اعوجاج ... وترفع من أطاعك واستقاما)

(وَدم فِي دَار عمرك والأعادي ... تمنى فِي مضاجعها الحماما)
قَوْله فقد نزل الأبيات يلمح إِلَى قصَّة سيف ذِي يزن لما تغلبت الْحَبَشَة على ملك الْيمن فَنزل بكسرى مستنجدا فأمده بِجَيْش انقشعت بِهِ غمامتهم فَعَاد سيف قرير الْعين إِلَى ملكه وَسكن غمدان قصره وَرجع إِلَى صولته وفتكه فانثالت عَلَيْهِ وُفُود الْعَرَب بالتهنئة من كل فج عميق وَكَانَ من جُمْلَتهمْ عبد الْمطلب جدا النَّبِي
وَهُوَ إِذْ ذَاك معرف قُرَيْش العريق وَالنَّبِيّ
رَضِيع فِي المهاد محفوف بعيون الْعِنَايَة والاسعاد فَأخْبرهُ سيف أَنه سينجم أمره ويطلع بدره فِي قصَّة يطول شرحها مستوفاة فِي كتب السّير فَجعل صَاحب التَّرْجَمَة نَفسه كسيف وسلطان الْوَقْت ككسرى وَكَانَ الْأَنْسَب أَن يَجْعَل سُلْطَان الْوَقْت كقيصر لكَونه ملك الرّوم إِلَّا أَنه تحاشى عَن ذَلِك لكَون قَيْصر لما قَصده سيف لم ينجده وَلم يجبهُ إِلَى مُرَاده بل اعتذر إِلَيْهِ بانا نَحن والحبشة اخوان لكوننا جَمِيعًا أهل كتاب فَرجع من عِنْده خائبا قَالَ العرضي وَكَانَت رفادة الْبَيْت وسقاية الْحَاج الْمعبر عَنْهَا الْآن بسلطنة الْحَرَمَيْنِ مفوضا أمرهَا إِلَى صَاحب التَّرْجَمَة إِلَّا أَنه فاضت فِي زمن تَوليته فتن ادت إِلَى خلعه وتولية ابْن عَمه الشريف زيد بن محسن بن حُسَيْن فسكن بيمن تَوليته نابض الْفِتْنَة وأخمد بِنور طلعته نَار المحنة وَكَذَا النُّور يخمد النيرَان فَلم يقر لصَاحب التَّرْجَمَة قَرَار دون أَن ينشر على رَأسه لواؤها وَالْعلم فَركب ابله وَجعل اللَّيْل جمله يفلي شعر الفلاة بِمشْط كل حافر ومنسم فَوجه تِلْقَاء مَدين دَار السلطنة العادلة رجاه ضَارِبًا بعصا تسياره أَحْجَار عرصاتها لينجز لَهُ مَا يترقبه ويتمناه من انعطاف السلطنة إِلَيْهِ ثَانِيًا فَلِذَا استماح سُلْطَان الْوَقْت بقوله وَقد أضحى لعنان همته ثَانِيًا ثمَّ ذكر قِطْعَة من قصيدته الْمُتَقَدّمَة قلت قد وقفت لَهُ على أشعار كَثِيرَة ذكرت مِنْهَا فِي النفحة الَّتِي ذيلت بهَا على الريحانة حِصَّة وافرة وقصيدته السينية الَّتِي مطْلعهَا قَوْله
(حث قبل الصَّباح نجب كؤوسي ... فَهِيَ تسرى مسرى الفذافي فِي النُّفُوس)
سائرة مَشْهُورَة فَلَا حَاجَة إِلَى ذكرهَا هُنَا وَكَانَ نظمها فِي طرسوس الْبَلدة الْمَعْرُوفَة

الصفحة 363