كتاب خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر (اسم الجزء: 1)

الشَّيْخ أَحْمد الأحمدي الْمصْرِيّ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى المرشد الْمَعْرُوف بالسيحي ذكره أَحْمد العجمي فِي مشيخته قَالَ فِي تَرْجَمته تَلا الْقُرْآن على مُحَقّق عصره الشَّيْخ أَحْمد بن شيخ الشُّيُوخ عبد الْحق النباطي وَلَزِمَه وَأخذ عَنهُ وَأخذ عَن عُلَمَاء عصره الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة وَكَانَ فِي عداد طبقَة الْمَشَايِخ الْكِبَار بل أكبر مِنْهُم حَالا ومقالاً وَكَانُوا كلهم يعظمونه ويوقرونه ويتبركون بِهِ ثمَّ ارتحل من مصر بِإِشَارَة بعض أَرْبَاب الْأَحْوَال فَطَافَ الْبِلَاد الْبَعِيدَة على قدم التَّجْرِيد المجاهدة والتوكل وَدخل بَغْدَاد والكوفة وَالْبَصْرَة وَمَا وَرَاء تِلْكَ النواحي ثمَّ عَاد إِلَى مصر فابتنى مَسْجِدا بجوار مشْهد الشُّهَدَاء بالمنوفية وَأقَام فِيهِ لإقراء النَّاس الْقُرْآن فَانْتَفع بِهِ خلائق لَا يُحصونَ وَكَانَ يَجِيء إِلَى مصر فِي كل عَام مرّة يجلس أَحْيَانًا بِجَامِع الْأَزْهَر وَأَحْيَانا بمدرسة السيوفية وَالنَّاس يزدحمون عَلَيْهِ ثمَّ يعود إِلَى مَسْجده هَذَا دأبه مُدَّة حَيَاته وَكَانَت وَفَاته سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بمسجده وضريحه يزار رَحمَه الله تَعَالَى
أَحْمد المغربي القيرواني الْحَنَفِيّ الْمَعْرُوف بِصَاحِب السَّعَادَة أحد أَعَاجِيب الزَّمَان ونوادره كَانَ فِي مبدأ أمره خرج من بِلَاده وَهُوَ متقن لمعارف وأفانين كَثِيرَة فِيهِ فضل وأدب فوصل إِلَى الرّوم وَاخْتَلَطَ بأدبائها وَلم يزل مُقيما بهَا حَتَّى صَار مُسْتَوْفيا بِبِلَاد الْيمن ورحل إِلَيْهَا فصادف بهَا حاكمها حيدر باشا فانخرط فِي سلك ندمائه وَلم يزل عِنْده فِي مكانة سامية حَتَّى وقف على جملَة من هزلياته فنفر عَنهُ وَعرض فِيهِ إِلَى جَانب السُّلْطَان فعزل وسافر إِلَى الرّوم فولي الْحُكُومَة بِمَدِينَة مرعش وَبَعْدَمَا صرف عَنْهَا حط بِهِ الدَّهْر إِلَى أَن بَقِي مُنْفَردا لَا يملك من حطام الدُّنْيَا إِلَّا مَا عَلَيْهِ من الثِّيَاب وَورد دمشق وَأقَام بهَا مُدَّة أَخْبرنِي من كَانَ لَهُ وقُوف على حَاله أَنه كَانَ فَاسد الرَّأْي كثير الأزراء بِنَفسِهِ وَمن عَجِيب أطواره أَنه كَانَ يلبس ثوبا من الليف الْبُرُلُّسِيّ سوى أكمامه فَكَانَ يصنعها من الْكَتَّان الرفيع الفاخر وَكَانَ لَهُ ناسومتان إِحْدَاهمَا عتيقة يلبسهَا فِي أغلب أوقاته وَأُخْرَى جَيِّدَة يصطحبها دَاخل الْكيس مُعَلّق فِي خرامة إِذا أَرَادَ الدُّخُول على أحد من الْأَعْيَان لبسهَا وَوضع العتيقة مَكَانهَا فِي الْكيس إِلَى أَن يخرج فيعيدها وَكَانَ لَهُ مَعَ أبي الْعَبَّاس أَحْمد الْمقري صُحْبَة أكيدة فَلَمَّا قدم الْمقري دمشق كَانَ لَا يُفَارِقهُ وبسببه اتَّحد مَعَ عُلَمَاء دمشق مِنْهُم أَحْمد الشاهيني وَلما رَحل الْمقري من دمشق أَقَامَ هُوَ بهَا فَتغير

الصفحة 375