كتاب خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر (اسم الجزء: 1)
يصعد إِلَى الْمِنْبَر وَيذكر أَئِمَّة الْبَيْت الاثْنَي عشر ويلعن أَصْحَاب مُحَمَّد
وَعَلَيْهِم ويلعن الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَالْعُلَمَاء الْمَوْجُودين فِي الْأَحْيَاء وَينزل وَيصلونَ فُرَادَى ينتظرون خُرُوج الْمهْدي ويؤذنون وَيَقُولُونَ بعد الحيعلتين حَيّ على خير الْعَمَل مُحَمَّد وعَلى خيرالبشر وَضبط الشاه جَمِيع أَمْوَال عَسَاكِر بني عُثْمَان وأموال المنسوبين إِلَيْهِم ثمَّ بعد ذَلِك عين السُّلْطَان جركس مُحَمَّد باشا سردار على الشاه بَعْدَمَا يُقَاتل أبازه مُحَمَّد باشا وَلما ورد إِلَى توقات فقاتل أبازه وانكسر وَتَفَرَّقَتْ العساكر وَكَانَ جركس مُحَمَّد باشا يقْعد فِي خيمته ويتهجد وَيَدْعُو الله أَن لَا يظلم أحدا وَلَا يكسر خاطر أحد أصلا فأدركه الْمَوْت وخلصه الله من هَذِه المشاق فَاجْتمع رَأْي أَرْبَاب الدولة أَن يجْعَلُوا الْحَافِظ وزيراً أعظم فَتوجه لَكِن اغْترَّ بعزمه فَكَانَ يَقُول للعساكر مَفَاتِيح بَغْدَاد بيَدي وَسَببه أَن ضَابِط بَغْدَاد بعث إِلَيْهِ أَن يُسلمهُ بِمُجَرَّد وُصُوله إِلَيْهَا بِشَرْط أَن يُعْطِيهِ منصباً جَلِيلًا وَأَنا مَا أقدر أسلم مَا لم تحضر فَإِنِّي أَخَاف من عَسْكَر الشاه أَن يقتلوني فَلَمَّا وصل الْحَافِظ بالعسكر الْعَظِيم إِلَى خَارج بَغْدَاد أرسل جمَاعَة الشاه المكاحل وهم يصرخون وَيَقُولُونَ بالتركية خُذ هَذِه مَفَاتِيح بَغْدَاد فَعلم أَنهم أردوا الخداع وَالْمَكْر حَتَّى لَا يتدارك مهمات الْحصار وَاتَّخذُوا لقومات عديدة فَمَا أفادت شَيْئا سوى لقم وَاحِد اصطنعه ضَابِط الْجند خسرو باشا فَفتح جانبا عَظِيما وَلَكِن الْعَسْكَر لم يهجموا كلهم عَلَيْهِ فَإِن من عَادَة أكَابِر الْعَسْكَر أَنهم يُرِيدُونَ تَدْبِير بَعضهم بَعْضًا فَحِينَئِذٍ أقدم عَسَاكِر بَغْدَاد حَتَّى سدوا اللقم فَكَانَ خسرو باشا يبكي وينتف لحيته من قهره وَكَانَ الشاه نزل بِالْقربِ من بَغْدَاد نَحْو ثَلَاثَة أَيَّام حَتَّى تسمع عساكره فِي بَغْدَاد بِخَبَرِهِ فتقوى قُلُوبهم وتضعف قُلُوب عَسَاكِر السُّلْطَان وَكَانَ مُرَاد باشا الأرنبودي كافل حلب بقبح صَنِيع الْحَافِظ ويسبه وَيَقُول لأي شَيْء لَا يُرْسل عَسَاكِر من عِنْده وَكَانَ هُوَ مَعَه عَسَاكِر كَثِيرَة وَجَاء إِلَى الْحَافِظ وَقَالَ لَهُ أَعْطِنِي إجَازَة حَتَّى أتوجه إِلَى الشاه وأقتل جماعته وَرُبمَا قبضت عَلَيْهِ فَيَقُول لَهُ الْحَافِظ مُرَاد باشا لَا تفرق عساكرنا وتضعفهم فيهجم عَسَاكِر بَغْدَاد علينا ويقتلونا وَمُرَاد باشا يصمم على قتال الشاه فَقَالَ لَهُ الْحَافِظ إِن فعلت فَأَنت تعلم فَجمع مُرَاد باشا نَحْو أَرْبَعَة آلَاف وكبس الشاه فتحاربوا شَيْئا قَلِيلا ثمَّ رَجَعَ مُرَاد باشا مكسوراً فَقَالَ لَهُ الْحَافِظ عرفت أَن قَول الشُّيُوخ أصوب من رَأْي الشبَّان وضاق الْأَمر على عَسَاكِر الْحَافِظ وَوَقع
(سقتك برغم الْمحل أخلاف مزنة ... تلف إِذا جَاشَتْ سهولا بأوعار)
(وفج كَمَا شَاءَ المجال خشوبه ... بعزمة عواد على الهول كرار)
(تمرس بالأسفار حَتَّى تركنه ... لدقته كالقدح أرهفه الْبَارِي)
(إِلَى ماجد يعزي إِذا انتسب الورى ... إِلَى معشر بيض أماجد أخيار)
(ومضطلع بِالْفَضْلِ زر قمصه ... على كنز آثَار وعيبة أسرار)
(سمى النَّبِي الْمُصْطَفى وأمينه ... على الدّين فِي إِيرَاد حكم وإصدار)
(بِهِ قَامَ بعد الْميل وانتصبت بِهِ ... دعائم قد كَانَت على جرف هار)
(فَلَمَّا أناخت بِي على بَاب دَاره ... مطاياي لم أذمم مغبة أسفاري)
(نزلت بمغمتي الرواقين دَاره ... مثابة طواف وكعبة زوار)
(فَكَانَ نزولي إِذْ نزلت بمغدق ... على الْمجد فضل الْبر عَار من الْعَار)
(أساغ على رغم الحواسد مشربي ... وأعذب ورد الْعَيْش لي بعد امرار)
(وأنقذني من قَبْضَة الدَّهْر بَعْدَمَا ... ألح بأنياب عَليّ وأظفار)
(جهلت على مَعْرُوف فضلى فَلم يكن ... سواهُ من الأقوام يعرف مقداري)
وَلما انْتهى إِلَى هَذَا الْبَيْت فِي الإنشاد قَالَ وَأَشَارَ إِلَى جمَاعَة من سادة البحريين وَهَؤُلَاء يعْرفُونَ مقدارك إِن شَاءَ الله تَعَالَى
(على أَنه لم يبْق فِيمَا أَظُنهُ ... من الأَرْض شبر لم تطبقه أخباري)
(وَلَا غرو فالأكسير أكبر شهرة ... وَمَا زَالَ من جهل بِهِ تَحت أَسْتَار)
(مَتى بل لي كف فلست بآسف ... على دِرْهَم إِن لم ينله ودينار)
(فيا ابْن الالى أثنى الْوَصِيّ عَلَيْهِم ... بِمَا لَيْسَ تثنى وَجهه يَد انكار)
(بصفين إِذْ لم يلفه من أوليائه ... وَقد عض نَاب للورى غير فرار)
(وَأبْصر مِنْهُم جن حَرْب تهافتوا ... على الْمَوْت اسراع الْفراش على النَّار)
(سرَاعًا إِلَى دَعْوَى الْمنون يرونها ... على شربهَا الْأَعْمَار مورد أَعمار)
(أطاروا غمود الْبيض واتكلوا على ... مفارق قوم فارقوا الْحق كفار)
(وأرسوا وَقد لاثوا على الركب الجنى ... بروكا كهدى أبركوه لجزار)
(فَقَالَ وَقد طابت هُنَالك نَفسه ... رضَا وأقروا عينه أَي إِقْرَار)
(فَلَو كنت بوابا على بَاب جنَّة ... كَمَا أفصحت عَنهُ صحيحات أَخْبَار)
يُشِير إِلَى هَمدَان وَهِي قَبيلَة من الْيمن يَنْتَهِي إِلَيْهِم نسب الممدوح وَكَانُوا قد أبلوا يَوْم
الصفحة 384