كتاب خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر (اسم الجزء: 1)

الشريف بالصخرة وَهِي إِلَى الْآن مَوْجُودَة وَفِي شَوَّال سنة سِتّ وَعشْرين وَألف أرسل لِأَحْمَد باشا محافظ مصر بِأَن يُرْسل مِقْدَارًا من الخزينة لأجل عمَارَة الْحرم النَّبَوِيّ على حكم الْحرم الْمَكِّيّ فامتثل وَأرْسل وَمَات السُّلْطَان أَحْمد قبل الشُّرُوع فِي ذَلِك وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الْمُعْطِي بن أبي الْفَتْح بن أَحْمد الإسحاقي فِي كِتَابه لطائف الْأَخْبَار الأول فِيمَن تصرف فِي مصر من أَرْبَاب الدول عِنْد ذكر السُّلْطَان أَحْمد وَمن جملَة محاسنه أَنه حصل فِي بِنَاء الْكَعْبَة الشَّرِيفَة ميلان فِي بعض أحجارها فَأرْسل عمدا من فولاذ مطلية بِالذَّهَب ومموهة بِالذَّهَب فطوقت بهَا الْكَعْبَة الشَّرِيفَة من الْجِهَات الْأَرْبَع وحفظت الْأَحْجَار من السُّقُوط وَأرْسل ميزابا من الْفضة مموها بِالذَّهَب وَوضع مَوضِع الْمِيزَاب الْعَتِيق وتسلم أَمِير الْحَاج الْمِيزَاب الْعَتِيق وأرسله إِلَى السُّلْطَان وَوضع فِي الخزانة العامرة تبركا وَعمل سَحَابَة بطرِيق الْحَاج الْمصْرِيّ يحمل بهَا المَاء للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين ووقف عَلَيْهَا أوقافا وَهِي مستمرة إِلَى الْآن وَبهَا النَّفْع الْعَام ورتب من ريع وَفقه لفقراء الْحَرَمَيْنِ وأرباب وظائفهما زِيَادَة فِي معلومهم فِي كل سنة اثْنَي عشر كيسا تحمل إِلَيْهِم صُحْبَة الْحَاج الْمصْرِيّ ثمَّ قَالَ وَالَّذِي ضَبطه جَامع هَذِه الأرقام بطرِيق التَّقْرِيب ورقمه حسب مَا وصل إِلَيْهِ علمه من أَفْوَاه المباشرين وَالْكتاب أَن الَّذِي يُجهز فِي كل عَام إِلَى فُقَرَاء الاحرمين ومجاوزيهما من صدقَات آل عُثْمَان وَخدمَتهمْ وَمِمَّنْ سَيَأْتِي ذكره فِي اديار الْمصْرِيّ مَا هُوَ من المَال النَّقْد الْمُسَمّى بالصرة مائَة كيس وَأَرْبَعَة وَسِتُّونَ كيسا بَيَان ذَلِك مَا هُوَ من أوقاف الدشيشة الْكُبْرَى أَرْبَعَة وَسِتُّونَ كيسا وَمَا هُوَ من وقف السُّلْطَان مُرَاد سَبْعَة عشر كيسا وَمَا هُوَ من وقف السُّلْطَان مُحَمَّد اثْنَا عشر كيسا وَمَا هُوَ من وقف السُّلْطَان أَحْمد اثْنَا عشر كيسا وَمَا هُوَ من وقف الخاصكية عشرَة أكياس وَمَا هُوَ من وقف الْحَرَمَيْنِ عشرَة أكياس وَمَا هُوَ من وقف الْأَشْرَاف اثْنَا عشر ألف نصف وَمَا هُوَ من وقف الخدام ثَمَانُون ألف نصف وَمَا هُوَ من وقف رستم باشا اثْنَا عشر ألف نصف وَمَا هُوَ من وقف اسكندر باشا عشرَة آلَاف نصف وَمَا هُوَ من وقف سِنَان باشا عشرُون ألف نصف وَمَا هُوَ من وقف عَليّ باشا اثْنَان وَثَلَاثُونَ ألف نصف وَمَا هُوَ من الْحبّ فِي كل عَام ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ وَألف ادرب وَثَمَانمِائَة أردب وَذَلِكَ خَارج عَن صدقَات الْبِلَاد الرومية والشامية والحلبية وغالب الممالك الإسلامية قلت وَذَلِكَ شَيْء لَا يحصره ضبط وَلَا يحبط بِهِ وصف وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن محَاسِن هَذِه الدولة
والعهدة عَلَيْهِ وَله فِي كل سنة أَيَّام الشتَاء خلْوَة عَامَّة يجْتَمع إِلَيْهَا المريدون فيصومون ثَلَاثَة أَيَّام ويأكلون عِنْد الْمسَاء مِقْدَار أوقيتين من الحريرة ورغيفا من الْخَبَر أَكثر من أُوقِيَّة وَلَا يشربون المَاء القراح بل يشربون القهوى ويستمرون فِي الذّكر وَالْعِبَادَة آنَاء اللَّيْل وأطراف النَّهَار وَأما بَاقِي الْأَيَّام فَيقومُونَ سحرًا ويتهجدون على قدر طاقتهم ثمَّ يَأْخُذُونَ فِي الذّكر إِلَى وَقت الْأَسْفَار ثمَّ يصلونَ الصُّبْح لكَون الشَّيْخ حنفيا ويقرؤن الأوراد إِلَى ارْتِفَاع الشَّمْس وَيصلونَ الْإِشْرَاق وَهَكَذَا يَفْعَلُونَ الْعِبَادَات فِي أَوْقَات الصَّلَوَات المفروضات وَكَانَت وَفَاته فِي جُمَادَى الأولى سنة أَربع وَسبعين وَألف وَبلغ من الْعُمر إِحْدَى وَسبعين سنة
الشريف إِدْرِيس بن الْحسن بن أبي نمى وَتَمام النّسَب تقدم فِي تَرْجَمَة أَخِيه الشريف أبي طَالب صَاحب مَكَّة وَكَانَ من أجل النَّاس من سراة الْأَشْرَاف شهما تهابه الْمُلُوك والأشراف شجاعا حسن الْأَخْلَاق ذَا تودد وسكينة وَكَانَ يكنى أَبَا عون ولد فِي سنة أَربع وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَأمه هُنَا بنت أَحْمد بن خميصة بن مُحَمَّد بن بَرَكَات بن أبي نمى وَكَانَ لَهُ من العبيد المولدين وَالرَّقِيق الجلب مَا يزِيد على أَرْبَعمِائَة وَمن المقاديم من الْعَرَب جمَاعَة ولي مَكَّة بعد أَخِيه أبي طَالب فِي سنة إِحْدَى عشرَة وَألف وأشرك مَعَه أَخَاهُ السَّيِّد فهيد ثمَّ خلعه فِي وَاقعَة ذكرتها فِي تَرْجَمته ثمَّ أشرك مَعَه ابْن أَخِيه الشريف محسن بن الْحُسَيْن بن الْحسن بِاتِّفَاق من أكَابِر الْأَشْرَاف وَتمكن من السطوة والعزة ووفد إِلَيْهِ ومدح كثيرا وَمن أَجود مَا مدح بِهِ قصيدة حُسَيْن بن أَحْمد الْجَزرِي الْحلَبِي وَهِي من أرق الشّعْر وأسوغه ومطلعها قَوْله
(أألزم قلبِي فِيك حبك والصبرا ... سَأَلت مجيبا لَو ملكت لَهُ أمرا)

(وَمَا الْحبّ من يبْقى على الصب لبه ... وَلَا الْقلب من يبْقى وَيحْتَمل الهجرا)

(وَلَيْسَ التمَاس الْعين من سهد لَيْلهَا ... بأمنع مِنْهَا مِنْك إِن لم تكن سكرى)

(طوى أَن أطل شرحا لَهُ قلت هُوَ هوا ... وَيَكْفِيك ذكر النَّار عَن فعلهَا ذكرا)

(وموقف بَين لَا نذيع وداعه ... وَلم ندر الألحاظ الأبه شزرا)

(أحم على الْعَينَيْنِ من وَجه لائم ... وأثقل فِي الأسماع من ذكره وقرا)

(نموه فِي تسليمنا بِأَنا مل ... عَلَيْك فتنضي الْبيض أَو تهززا السمرا)

(وَمن لي بكتم بَين واش وحاسد ... لسرك والأجفان توضحه جَهرا)

الصفحة 390