كتاب خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر (اسم الجزء: 1)

ويبالغ فِي تقبيح أُمُورهم ويبذل الْجهد فِي نصائحهم وهم مَعَ ذَلِك يحبونه ويحترمونه وَكَانَ عفيفا قانعا مَيْمُون الْوَجْه مَأْمُون العائلة يتَرَدَّد إِلَى الْحُكَّام فَلَا يتَكَلَّم الأنجير وَيُحب الصَّالِحين ويعترف بِالْفَضْلِ لأَهله وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الْجُمُعَة خَامِس شهر ربيع الأول سنة ثَلَاث بعد الْألف عَن نَيف وَخمسين سنة وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير رَحمَه الله تَعَالَى
بشير بن مُحَمَّد الخليلي الْقُدسِي الأديب الشَّاعِر الْفَائِق وَكَانَ بالقدس أحد من تفرد بالشعر وَالْأَدب وَلم يكن فِي زَمَنه من أقرانه فِيهِ الْأَشْرَف الدّين العسيلي الْآتِي ذكره لَكِن شعر بشير أغزر رمادة وأجود تخييلا وقفت لَهُ على قصيدة أجَاب بهَا عَن قصيدة شيخ الْإِسْلَام خير الدّين الرَّمْلِيّ الَّتِي صنعها وَهُوَ بالقدس يمتدحها ويمتدح أَهلهَا حِين رجل إِلَيْهَا ومطلع قصيدة الشَّيْخ خير الدّين
(مَا كَانَ مرمى فُؤَادِي حَيْثُ هيئ لي ... فِيهِ الْبناء بهند بعد مرتحلي)
وقصيدة بشير هِيَ هَذِه
(صوب من الْغَيْث وافي زَائِد الهطل ... أَحْيَا رَبِّي الْقُدس عِنْد الجدب وَالْمحل)

(أم شمس فضل ترقت فِي مطالعها ... أوج الفخار فَحلت ذرْوَة الْحمل)

(أم بدر أفق الْمَعَالِي قد تنقل فِي ... بروجه وَكَانَ الْبَدْر فِي النَّقْل)

(لَا بل هُوَ الْجَامِع الْعرف الَّذِي ملكت ... أَوْصَافه الْغرَر حب السهل والجبل)

(أَرَادَ رَبك فِي تحريكه حكما ... وَرُبمَا صحت الْأَجْسَام الْعِلَل)

(فزين الْمَسْجِد الْأَقْصَى بحليته ... وشوه الرملة الرملاء بالعطل)

(فاهتز من طرب هَذَا لزائره ... وَارْتجَّ من حَرْب هَذَا المرتحل)

(وَكم على الْمَسْجِد الأقدسي من فَرح ... وَكم على السَّاحِل البحري من خبل)

(وَكَيف لَا وَهُوَ خير أَن أَقَامَ على ... أَرض تسامت وَأَن يرحل فَلَا تسل)

(تجمعت فِيهِ أَوْصَاف الْكَمَال كَمَا ... تجمعت قسم التَّفْصِيل فِي الْجمل)

(أَحْيَا الدُّرُوس وَقد أحفى الدُّرُوس بهَا ... وجاد وإبلها الظمآن بالنهل)

(معالم لَو رأى الرَّازِيّ حقائقها ... لبات بِالريِّ يشكو برح الغلل)

(بجود كف لَو الطَّائِي شَاهده ... لقَالَ لَا نَاقَتي فِيهَا وَلَا جمل)

(ومنطق يتْرك الْأَلْبَاب ذاهله ... والكامل الْعقل مثل الشَّارِب الثمل)

(كم أنشدت لِذَوي الْفَتْوَى براعته ... أَصَالَة الرَّأْي صانتني عَن الخطل)

الصفحة 452