كتاب خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر (اسم الجزء: 1)

وَكَانَ فِي أول أمره يعْمل الْقَصْد إِذا دخل مجْلِس الأكابر فَلَمَّا حفظ الْقُرْآن صَار يَقُول لأهل الْمجْلس الَّذِي يدْخل إِلَيْهِ أسمعكم آيَات أم أَبْيَات وهم لَا يَسْتَطِيعُونَ أَن يختاروا فِي ظَاهر الْحَال على كتاب الله غَيره وَإِن كَانَت خواطرهم فِي غير ذَلِك فَلَا يكون جوابهم إِلَّا طلب الْقُرْآن وَحج فِي سنة ثَمَان بعد الْألف فَلم ينشد شَيْئا فِي الْمَسْجِد إِلَّا أَنه قَرَأَ شَيْئا من الْقُرْآن وسافر قَدِيما إِلَى قسطنطينية وَقَرَأَ المولد فِي حَضْرَة السُّلْطَان مُرَاد ثمَّ عَاد إِلَى دمشق وسافر إِلَى طرابلس وَاسْتقر آخرا بِدِمَشْق وَكَانَت مُدَّة إِقَامَته بهَا أَرْبَعِينَ سنة وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ من محَاسِن وقته وَكَانَت وَفَاته نَهَار الْإِثْنَيْنِ رَابِع شهر رَمَضَان سنة سِتّ عشرَة والف وَدفن بمقبرة الفراديس رَحمَه الله تَعَالَى
الشَّيْخ بكار بن عمرَان الرحيبي المولد الدِّمَشْقِي الْوَلِيّ الْعُرْيَان الْمُسْتَغْرق صَاحب الْحَال الباهر والكشف الصَّرِيح الَّذِي لَا يتَخَلَّف وَاتفقَ أهل عصره على ولَايَته وتفوقه وَله كرامات كَثِيرَة حدث بعض الثِّقَات قَالَ أَخْبرنِي الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه مُحَمَّد القشاشي نزيل مَكَّة وَنحن بهَا فِي سَابِع ذِي الْحجَّة سنة ثَلَاث وَخمسين وَألف أَن الشَّيْخ بكارا كَانَ عِنْده فِي ذَلِك الْيَوْم وَأخْبرهُ أَن الْوَزير الْأَعْظَم قره مصطفى باشا قتل وَجَاء خَاتم الوزارة إِلَى نَائِب الشَّام مُحَمَّد باشا سبط رستم باشا قَالَ فشككت فِي هَذَا الْخَبَر فَلَمَّا وافيت دمشق تحققته فَظهر لي أَن ختم الوزارة كَانَ وصل إِلَى الشَّام فِي الْيَوْم الَّذِي أخبرتي فِيهِ القشاشي بالْخبر وَسَأَلت عَن الشَّيْخ بكار هَل فَارق الشَّام فَقيل لي لم نره فَارقهَا مُنْذُ زمَان طَوِيل وَكَانَ كثير من الْحجَّاج يشاهدونه فِي الْموقف وَاقِفًا بِعَرَفَة وَذكر عَنهُ أَنه لما قدم الْمولى مُحَمَّد الْمَعْرُوف بقره جلبي زَاده إِلَى دمشق قَاضِيا لمَكَّة زَارَهُ الشَّيْخ بكار بِمَنْزِلَة الَّذِي نزل فِيهِ وَلبس صوفه وَوضع لَهُ الوسادة وَأمره بِالنَّوْمِ وَأخذ يُورد كلَاما مضمونه صَرِيح فِي تَوليته قَضَاء دمشق وَأَنه لَا يذهب مَكَّة فاتفق فِي ذَلِك الْيَوْم أَنه جَاءَهُ الْأَمر بتوليته قَضَاء دمشق وَصَرفه عَن مَكَّة وعَلى كل حَال فصلاحة وولايته مِمَّا أطبقت عَلَيْهَا أهل دمشق وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سبع وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بمقبرة الفراديس الْمَعْرُوفَة بتربة الغرباء وَكَانَت جنَازَته حافلة جدا لم يتَخَلَّف عَنْهَا أحد وقبره الْآن مَعْرُوف يزار ويتبرك بِهِ وَمِمَّا قيل فِي تَارِيخ وَفَاته
(مذ غَدا بكار فَرد الواصلين ... نازلا فِي ظلّ رب الْعَالمين)

الصفحة 454