كتاب الاختيار لتعليل المختار (اسم الجزء: 1)

وَيُسْتَحَبُّ فِي الْوُضُوءِ النِّيَّةُ (ف) وَالتَّرْتِيبُ وَالتَّيَامُنُ وَمَسْحُ الرَّقَبَةِ.

فَصْلٌ وَيَنْقُضُهُ كُلُّ مَا خَرَجَ مِنَ السَّبِيلَيْنِ وَمِنْ غَيْرِ (ف) السَّبِيلَيْنِ إِنْ كَانَ نَجِسًا، وَسَالَ عَنْ رَأَسِ الْجُرْحِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQثَلَاثًا وَقَالَ: هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي» . وَمَا رُوِيَ «أَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَوَضَّأَ بِالْمَقَاعِدِ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا وَقَالَ: هَكَذَا تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» .
قَالَ: (وَيُسْتَحَبُّ فِي الْوُضُوءِ النِّيَّةُ وَالتَّرْتِيبُ) لِيَقَعَ قُرْبَةً وَلِيَخْرُجَ عَنْ عُهْدَةِ الْفَرْضِ بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا يُسْتَحَبُّ الْمُوَالَاةُ، وَهُوَ أَنْ لَا يَشْتَغِلَ بَيْنَ أَفْعَالِ الْوُضُوءِ بِغَيْرِهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِفَرْضٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] الْآيَةَ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِهَا، وَلِأَنَّهُ ذُكِرَ بِحَرْفِ الْوَاوِ، وَإِنَّهَا لِلْجَمْعِ بِإِجْمَاعِ أَئِمَّةِ النَّحْوِ وَاللُّغَةِ نَقْلًا عَنِ السِّيرَافِيِّ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ نَسْخٌ، وَلَا يَجُوزُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِالْخَبَرِ لِأَنَّهُ رَاجِحٌ، وَقِيلَ: إِنَّهُمَا سُنَّتَانِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِمُوَاظَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِمَا.
(وَالتَّيَامُنُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى التَّنَعُّلِ وَالتَّرَجُّلِ» .
(وَمَسْحُ الرَّقَبَةِ) قِيلَ: سُنَّةٌ، وَقِيلَ: مُسْتَحَبٌّ.
وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ فِي وُضُوئِهِ بِغَيْرِهِ إِلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ لِيَكُونَ أَعْظَمَ لِثَوَابِهِ وَأَخْلَصَ لِعِبَادَتِهِ وَيُصَلِّي بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ مَا شَاءَ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَّى يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ» .

[فَصْلٌ نَوَاقِضُ الْوُضُوء]
فَصْلٌ (وَيَنْقُضُهُ كُلُّ مَا خَرَجَ مِنَ السَّبِيلَيْنِ وَمِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ إِنْ كَانَ نَجِسًا وَسَالَ عَنْ رَأْسِ الْجُرْحِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [المائدة: 6] وَالْغَائِطُ حَقِيقَةً الْمَكَانُ الْمُطْمَئِنُّ، وَلَيْسَتْ حَقِيقَتُهُ مُرَادَةً فَيُجْعَلُ مَجَازًا عَنِ الْأَمْرِ الْمُحْوِجِ إِلَى الْمَكَانِ الْمُطْمَئِنِّ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ تُحْوِجُ إِلَيْهِ لِتُفْعَلَ فِيهِ تَسَتُّرًا عَنِ النَّاسِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْعَادَةُ، حَتَّى لَوْ جَاءَ مِنَ الْمَكَانِ الْمُطْمَئِنِّ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ إِجْمَاعًا، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْوُضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ» ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ» الْحَدِيثَ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «يُعَادُ الْوُضُوءُ مِنْ سَبْعٍ» وَعَدَّ مِنْهَا الْقَيْءَ مَلْءَ الْفَمِ، وَالدَّمَ السَّائِلَ، وَالْقَهْقَهَةَ، وَالنَّوْمَ.
وَيُشْتَرَطُ السَّيَلَانُ فِي الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ ; لِأَنَّ تَحْتَ كُلِّ جِلْدَةٍ دَمًا وَرُطُوبَةً، فَمَا لَمْ يَسِلْ يَكُونُ بَادِيًا لَا خَارِجًا بِخِلَافِ السَّبِيلَيْنِ ; لِأَنَّهُ مَتَى ظَهَرَ يَكُونُ

الصفحة 9