كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 1)

الاهتمامِ بما قُدِّمَ والتشويقِ إلى ما أُخِّر كما مرَّ مراراً أو الملائكة جمعُ ملك باعتبار أصلِه الذي هو مَلأك على أن الهمزة مزيدة كالشمائل في جمع شمأل والتاء لتأكيد تأنيثِ الجماعة واشتقاقُه من مَلَك لما فيه من معنى الشدة والقوة وقيل على أنه مقلوبٌ من مأْلَكٍ من الألوكة وهي الرسالة أي موضعَ الرسالة أو مرسلٌ على أنه مصدرٌ بمعنى المفعول فإنهم وسائطُ بين الله تعالى وبين الناسِ فهم رسله عز وجل أو بمنزلة رسلِه عليهم السلام واختلف العقلاءُ في حقيقتهم بعد اتفاقِهم على أنها ذواتٌ موجودةٌ قائمةٌ بأنفسها فذهب أكثرُ المتكلمين إلى أنها أجسامٌ لطيفةٌ قادرةٌ على التشكل بأشكال مختلفة مستدلين بأن الرسلَ كانوا يرَوُنهم كذلك عليهم السلام وذهب الحكماءُ إلى أنها جواهرٌ مجردةٌ مخالفةٌ للنفوس الناطقةِ في الحقيقة وأنها أكملُ منها قوة وأكثر علما تجرى منها مَجرى الشمس من الأضواء منقسمةٌ إلى قسمين قِسمٌ شأنُهم الاستغراقُ في معرفة الحقِّ والتنزُّهِ عن الاشتغال بغيره كما نعتَهم الله عزَّ وجلَّ بقولِهِ {يُسَبّحُونَ الليلَ والنهارَ لاَ يَفْتُرُونَ} وهم العِلِّيُّون المقرَّبون وقسمٌ يدبِّرُ الأمرَ مِنَ السماء إلى الأرض حسبما جرى عليه قلمُ القضاء والقدرِ وهم المدبِّراتُ أمراً فمنهم سماويةٌ ومنهم أرضية وقالت طائفة من النصارى هي النفوسُ الفاضلةُ البشرية المفارِقةُ للأبدان ونُقل في شرح كَثرتِهم أنه عليه السلام قال أَطَّتِ السَّمَاءُ وحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ ما فيها مَوضِعُ قدم إلا وفيه مَلَكٌ ساجدٌ أو راكع وروي أن بني آدمَ عشرُ الجن وهما عشرُ حيوانات البَرّ والكلُّ عشرُ الطيور والكلُّ عشرُ حيوانات البحار وهؤلاءِ كلُّهم عشرُ ملائكةِ الأرض الموكلين وهؤلاءِ كلُّهم عشرُ ملائكةِ السماءِ الدنيا وكلُّ هؤلاءِ عشرُ ملائكةِ السماء الثانية وهكذا إلى السماء السابعة ثم كلُّ أولئك في مقابلة ملائكةِ الكُرسيِّ نَزْرٌ قليل ثم جميعُ هؤلاءِ عشرُ ملائكةِ سُرادقٍ واحدٍ من سُرادقاتِ العرش التي عددُها ستمائة ألفٍ طولُ كلِّ سُرادقٍ وعَرضُه وسَمكُه إذا قوبلت به السمواتُ والأرضُ وما فيهما وما بينهما لا يكونُ لها عنده قَدْرٌ محسوسٌ وما منه من مقدارِ شبرٍ إلا وفيه ملك ساجد أو راكعٌ أو قائم لهم زجَلٌ بالتسبيح والتقديس ثم كلُّ هؤلاءِ في مقابلة الملائكةِ الذين يحومون حولَ العرش كالقَطْرةِ في البحر ثم ملائكةُ اللوحِ الذين هم أشياعُ إسرافيلَ عليه السلام والملائكةُ الذين هم جنودُ جبريلَ عليه السلام لا يُحصي أجناسَهم ولا مُدةُ أعمارِهم ولا كيفياتُ عباداتهم إلا بارِئهُم العليمُ الخبير على ما قال تعالى وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبّكَ إِلاَّ هُوَ وروي أنه عليه السلام حين عُرج به إلى السماء رأى ملائكةً في موضعٍ بمنزلةِ شرفٍ يمشي بعضُهم تُجاهَ بعض فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريلَ عليه السَّلامُ إِلَىَّ أين يذهبون فقال جبريلُ لا أدري إلا أني أراهم منذ خلقتُ ولا أرى واحداً منهم قد رأيته قبل ذلك ثم سألا واحداً منهم منذ كم خلقتَ فقال لا أدري غير أن الله عز وجل يخلُق في كل أربعمائة ألفِ سنةٍ كوكباً وقد خلق منذ خلقني أربعَمائة ألفِ كوكب فسبحانه مِنْ إلهٍ ما أعظمَ قدرَه وما أوسعَ ملكوتَه واختُلف في الملائكة الذين قيل لهم ما قيل فقيل هم ملائكةُ الأرضِ ورَوَى الضحَّاكُ عنِ ابنِ عباس رضي الله عنهما أنهم المختارون مع إبليسَ حين بعثه الله عز وجل لمحاربة الجنِّ حيث كانوا سكانَ الأرض فأفسدوا فيها وسفَكوا الدماءَ فقتلوهم إلا قليلاً قد أخرجوهم من الأرض وألحقوهم بجزائرِ البحار وقُلل الجبالِ وسكنوا الأرض وخفف الله تعالى عنهم البابدة وأعطى إبليسَ مُلك الأرض ومُلك السماءِ الدنيا وخِزانةَ الجنة فكان يعبُد الله تعالى تارةً في الأرض

الصفحة 80