كتاب طيبة وذكريات الأحبة (اسم الجزء: 1)

13…
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وليِّ النعم والموفِّى كلَّ ذي حقِّ حقه .. والصلاة والسلام على رسوله الأمين.
مُكْرم أهل الفضل.
وأوفى الناس ذمِّة .. وبعد .. فمن عادتي المحببة إليَّ أن أشارك الناس مناسباتهم فلا أتأخر عنها، أفراحاً واتراحاً، ومن فُضُولي في حضوري هذه الاجتماعات أن أَلْحظَ واتابع تصرفات الناس في استقبال أوفيائهم مِمَّن يشاركونهم وكم تمرُّ بي لحظات ألم قَلْبيّ حينما أرى استقبال فلان من الناس استقبالاً فاتراً بعد أن كان يُرْكَضُ إليه ركضاً في الماضي، ذلك لأنه كان موظفاً مرموقاً يُطمَع في التقرب إليه.
ولكنه الآن صار متقاعداً.
اكلنا شبابه وأثر محراث الحياة على قسمات وجهه وكامل جسمه.
فوهن منه العظم واشتعل الرأس شيباً، فلم يعد يقدر حتى أن يخدم نفسه.
أو لأنه كذا وكذا ثم تغيرت عليه الحال.
تتكرر أشباه هذه الصور كثيراً، أحياء كرام يصبحون في عالم النسيان لاتجد من يذكُرُهُم أو يُذَكِّرُ بفضلهم، مع أن هؤلاء خلاصة خبرات المجتمع وخيراته ومفاخر ذاكرته، لاتكاد تخلو سيرة كل رجل منهم من قصة بارعة من قصص الخير، ودرس قيم من دروس الأخلاق.
ولوحة رائعة من صور تضحية اجتماعية.
نُسىِ الاموات وأهمل الأحياء وفي ساعة أسى في النفس وتفكير أليم في هذه الظاهرة الظالمة إذ بتلميذ بار يزورني في داري وقد تعوَّد حينما كنت معلماً في المرحلة الثانوية أن يرجع إلىَّ في بعض شئونه فيجد عندي شيئاً من السلوى أو الحلول.
جاءني إلى داري يحمل معه دُرَّةً من كوكبة أو إن شئت قل لؤلؤة من محاره.
يحمل مسوَّدة لكتاب بعنوان ((طيبة وذكريات الأحبة))
آية وفاء من جهده وانتاجه، وطلب مني بكل ذوق وأدب أن اراجعه واقدم له تيمناً وتشجيعاً على حد قوله وحينما قرأت عنوان الكتاب قلت في نفسي هذه بارقة أمل وَمَضَتْ لتضىء ما كنت أفكر فيه - وحين تصفحته ضاء لي كل أمل وأيقنت أن مجتمعنا بخير، وأنه قد يوجد من أبنائنا وتلامذتنا من هم أبرُّ منا بآبائنا ومجتمعنا.

الصفحة 13