كتاب تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه (اسم الجزء: 1)

قيد للموضوع عِنْد الْمُحَقِّقين: يَعْنِي موضوعيته لَهُ بِاعْتِبَار الإيصال الْمَذْكُور فَلَا يبْحَث فِيهِ إِلَّا عَن أَحْوَاله الَّتِي لَهَا مدْخل فِي الإيصال، وَقيل قد يكون جُزْءا مِنْهُ، وَذَلِكَ إِذا لم يبْحَث فِي الْعلم عَنْهَا كحيثية الْوُجُود فِي مَوْضُوع الْعلم الإلهي الباحث عَن أَحْوَال الموجودات الْمُجَرَّدَة، وَهُوَ الْمَوْجُود من حَيْثُ هُوَ مَوْجُود، إِذْ لَا يبْحَث فِيهِ عَن نفس الْوُجُود، لِأَنَّهُ لَا يبْحَث فِي الْعلم عَن نفس الْمَوْضُوع وَعَن أَجْزَائِهِ، وَقد تكون خَارِجَة عَنهُ وَلَيْسَت بِقَيْد لَهُ، بل تذكر لبَيَان الْأَعْرَاض المبحوث عَنْهَا كالصحة وَالْمَرَض فِي مَوضِع الطِّبّ وَهُوَ بدن الْإِنْسَان، وَيرد عَلَيْهِ أَنه يلْزم حِينَئِذٍ تشارك العلمين الباحثين عَن أَحْوَال شَيْء وَاحِد فِي مَوْضُوع وَاحِد بِالذَّاتِ وَالِاعْتِبَار، لعدم تَقْيِيد الْمَوْضُوع بِقَيْد، وَقد تقرر أَن تمايز الْعُلُوم بِحَسب تمايز الموضوعات، فالتحقيق أَنَّهَا قيد لَهُ، وَإِنَّمَا اعْتبر الْقُدْرَة لَا الْإِثْبَات بِالْفِعْلِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يتَحَقَّق عِنْد معرفَة تفاصيل الْأَدِلَّة، وَالْمَذْكُور فِي الْأُصُول إجمالها، فَالْمُرَاد إِثْبَات الْأَحْكَام تَفْصِيلًا وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (أخذا من شخصياته) حَال من الْأَحْكَام لكَونهَا مفعول الْإِثْبَات معنى: أَي إِثْبَاتهَا حَال كَونهَا مَأْخُوذَة من شخصيات الدَّلِيل السمعي الْكُلِّي: يَعْنِي أَفْرَاد الشخصية، وَذَلِكَ لِأَن الْأَدِلَّة التفصيلية تدل على الْأَحْكَام التفصيلية بِوَاسِطَة كيفيات متنوعة كل نوع مِنْهَا يبين مَسْأَلَة من مسَائِل الْأُصُول، فَمن عرف الْأُصُول عرف تِلْكَ الْأَنْوَاع فَحصل لَهُ قدرَة إِثْبَات الْأَحْكَام لحُصُول الاستعداد لَهُ بمعرفتها، فَكل حكم أَرَادَ إثْبَاته بدليله وجد عِنْده مَا يبين كَيْفيَّة إثْبَاته، وَهَذَا هُوَ المُرَاد بِالْقُدْرَةِ (وبالفعل فِي الْمسَائِل أَنْوَاعه وأعراضه وأنواعها) عطف على مَحْذُوف هُوَ مُتَعَلق الْمُبْتَدَأ، وَالتَّقْدِير مَوْضُوعَة بِالْقُوَّةِ الدَّلِيل السمعي إِلَى آخِره، وبالفعل فِي الْمسَائِل أَنْوَاع الدَّلِيل السمعي، وأنواع تِلْكَ الْأَعْرَاض، أما كَون هَذِه الْأَشْيَاء مَوْضُوعَات فَظَاهر لِأَنَّك إِذا نظرت فِي مسَائِل الْأُصُول وجدت موضوعاتها هَذِه الْأَشْيَاء، وَهِي الَّتِي يبْحَث عَن عوارضها الذاتية فِي هَذَا الْعلم، وَأما الدَّلِيل السمعي الْمُطلق فَلَا يكَاد يُوجد الْبَحْث عَن عَارضه الذاتي من حَيْثُ هُوَ مَوْضُوع بِالْفِعْلِ فِي مَسْأَلَة غير أَنه لما كَانَت من مَوْضُوعَات الْمسَائِل كلهَا جزئيات إضافية لَهُ أمكن أَن يُؤْخَذ من كل طَائِفَة مستوعبة جَمِيع أَفْرَاد الْمُطلق من محمولات الْمسَائِل مَفْهُوم مردد بَين آحَاد تِلْكَ الطَّائِفَة فَيثبت للمطلق، وكما أَن كل وَاحِد من تِلْكَ الْآحَاد عرض ذاتي للجزئي الإضافي للمطلق كَذَلِك المردد الْمَأْخُوذ مِنْهَا عرض ذاتي للمطلق، فَثَبت كَونه مَوْضُوعا بِالْقُوَّةِ، وَسَيَجِيءُ فِي كَلَام المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى مَا يُشِير إِلَى هَذَا (فَالْمُرَاد بالأحوال) الَّتِي يتَوَصَّل الْعلم بهَا إِلَى الْقُدْرَة الْمَذْكُورَة (مَا يرجع إِلَى الْإِثْبَات) يَعْنِي أحوالا حَاصِل الْبَحْث عَنْهَا ومآله يرجع إِلَى كَون الدَّلِيل مثبتا للْحكم، وَلِهَذَا يُفِيد الْعلم بهَا قدرَة الاثبات

الصفحة 19