كتاب تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه (اسم الجزء: 1)

(لَا لاعْتِبَار الْمُوجب) أَي لَا لأجل أَنهم اعتبروا فِي حد الْعلم أَن يكون عدم احْتِمَال النقيض فِيهِ لموجب وَلَا مُوجب لعدم احْتِمَاله فِي التَّصَوُّر، كَيفَ وَهُوَ غير مندرج فِي جنس التَّعْرِيف؟.
(وَقد يُقَال) فِي تَعْرِيف الْعلم (صفة) أَي أَمر قَائِم بِغَيْرِهِ (توجب تمييزا) أَي توجب كَون محلهَا، وَهُوَ النَّفس مُمَيزَة لما تعلّقت بِهِ الصّفة، فَإِن الْعلم صفة ذَات تعلق، والمميز هُوَ الْعَالم لَا الْعلم، فَخرج مَا عدا الادراكات من الصِّفَات النفسية كالشجاعة وَغَيرهَا كالسواد، فَإِنَّهَا وَإِن أوجبت لمحالها تمييزا ضَرُورَة تَمْيِيز الشجاع بشجاعته عَن الجبان، وَالْأسود بسواده عَن الْأَبْيَض لَكِنَّهَا لَا توجب لَهَا تمييزا، بِأَن تميز بِسَبَب اتصافها بهَا شَيْئا عَن شَيْء، كَمَا إِذا حصلت فِي النَّفس صُورَة زيد واتصفت بهَا ميزت بذلك الاتصاف زيدا عَن غَيره (لَا يحْتَمل) نقيض مُتَعَلّقه، أَي مَعَ حُصُول ذَلِك التَّمْيِيز لَا يجوز الْعقل تحقق النقيض فِي نفس الْأَمر، فَإِن كَانَ التَّمْيِيز الْمَذْكُور إِدْرَاك وُقُوع النِّسْبَة على سَبِيل الْجَزْم لم يجوز عدم وُقُوعهَا فِيهِ، وَإِن كَانَ إِدْرَاك اللاوقوع فبالعكس، وَإِن كَانَ تصورا ساذجا لَا يجوز كَون مُتَعَلّقه خلاف مَا تميز وانكشف بِهِ وَلذَا قَالَ (فَيدْخل) أَي التَّصَوُّر فِي هَذَا التَّعْرِيف لصدقه عَلَيْهِ بِخِلَاف التَّعْرِيف الأول، وَخرج بقوله لَا يحْتَمل الظَّن لاحْتِمَال النقيض، وَكَذَا الْجَهْل الْمركب لاحْتِمَال أَن يطلع صَاحبه على مَا فِي الْوَاقِع فيزول عَنهُ مَا حكم بِهِ من الْإِيجَاب وَالسَّلب إِلَى نقيضه، وَكَذَا التَّقْلِيد لاحْتِمَال زَوَاله بالتشكيك (وَعدم الْمُطَابقَة فِي تصور الْإِنْسَان صها لَا للْحكم الْمُقَارن، أما الصُّورَة فَلَا تحْتَمل غَيرهَا) جَوَاب سُؤال، وَهُوَ أَن التَّصَوُّر لَو لم يحْتَمل نقيض مُتَعَلّقه، لَكَانَ كل تصور مطابقا لمتعلقه لَا محَالة، كَمَا أَن كل تَصْدِيق لَا يحْتَملهُ كَذَلِك، وَاللَّازِم بَاطِل، فَإِن تصور الْإِنْسَان بِصُورَة الصاهلية مثلا تصور غير مُطَابق لمتعلقه، وَهِي الْحَقِيقَة الإنسانية، وَالْجَوَاب أَنه لَيْسَ مُتَعَلق ذَلِك التَّصَوُّر حَقِيقَة الْإِنْسَان بل حَقِيقَة الْفرس، غَايَة الْأَمر أَن المتصور أَخطَأ فِي الحكم بِأَن مُتَعَلّقه الْإِنْسَان فَعدم الْمُطَابقَة إِنَّمَا هُوَ فِي هَذَا الحكم، وَأما الصُّورَة الْمَذْكُورَة فَلَا تحْتَمل غير متعلقها الَّذِي هُوَ الْفرس فِي نفس الْأَمر، وَذَلِكَ لِأَن مُتَعَلق كل صُورَة مَا هِيَ ظلّ لَهُ وانعكست عَنهُ وَصَارَت هِيَ سبّ انكشافه، وَلَا شكّ أَن صور الصهال سَبَب انكشاف حَقِيقَة الْعَكْس عَنْهَا تِلْكَ الصُّورَة، وَهِي حَقِيقَة الْفرس، وتسميتها إنْسَانا خطأ نَشأ من التَّوَهُّم، فَهِيَ لَا تحْتَمل غَيرهَا.
(وَالْوَجْه) فِي تَعْرِيف الْعلم على وَجه يعم التَّصَوُّر أَن يُقَال (أَنه تَمْيِيز، وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يقل كَذَا، بل يُقَال صفة كَمَا ذكر لم يكن التَّعْرِيف مَانِعا (فَإِنَّمَا يصدق على القوه الْعَاقِلَة) وَهِي كَيْفيَّة للنَّفس بهَا تدْرك الْأَشْيَاء، لِأَنَّهَا صفة توجب التَّمْيِيز، لِأَن المُرَاد بإيجابها استعقابها بِخلق الله التَّمْيِيز عَادَة فَإِن قلت إِيجَابهَا التَّمْيِيز بِوَاسِطَة الْعلم، وَإِيجَاب الْعلم إِيَّاه بِغَيْر وَاسِطَة، والمتبادر

الصفحة 28