كتاب تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه (اسم الجزء: 1)

تكيفها بِصُورَة صُورَة) تَصْرِيح بِأَن الْعلم من الكيفيات النفسانية، وكما أَن الْجِسْم يَتَحَرَّك فِي الكيفيات المحسوسة كالعنب يصفر، ثمَّ يحمر، ثمَّ يسود كَذَلِك النَّفس تتكيف بِصُورَة بعد صُورَة من حِين تتَوَجَّه من الْمَطْلُوب نَحْو المبادي إِلَى أَن تحصل الْمُنَاسب وترتبه، وَعبر عَن التكيف الْمَذْكُور باستعراض الصُّور، لِأَن النَّفس عِنْد ذَلِك كَأَنَّهَا طالبة لعروض تِلْكَ الصُّور لَهَا (لتجد الْمُنَاسب) كَمَا أَن الإبصار يتَوَقَّف على مُوَاجهَة المبصر وتقليب الحدقة نَحوه وَإِزَالَة الغشاوة كَذَلِك إِدْرَاك البصيرة يتَوَقَّف على التَّوَجُّه نَحْو الْمَطْلُوب وتحديقها نَحْو طلبا لإدراكه وَتَجْرِيد الْعقل عَن الْغَفْلَة، وَلَا شُبْهَة فِي أَن كل مَجْهُول لَا يُمكن اكتسابه من أَي مَعْلُوم اتّفق، بل لَا بُد لَهُ من مَعْلُومَات مُنَاسبَة، وَمن تَرْتِيب معِين بَينهَا، وَمن حيثية مَخْصُوصَة (وَهُوَ) أَي الْمُنَاسب فِي النّظر الْوَاقِع للمطلوب التصديقي (الْوسط) سمي بِهِ، لِأَنَّهُ هُوَ الْوَاسِطَة للْحكم فِي ثُبُوت الْمَحْكُوم بِهِ للمحكوم عَلَيْهِ (فترتبه مَعَ طرفِي الْمَطْلُوب) يَعْنِي مَوْضُوعه ومحموله بِأَن يحمل عَلَيْهِمَا، أَو يحملا عَلَيْهِ، أَو يحمل على مَوْضُوعه، وَيحمل محموله عَلَيْهِ، أَو الْعَكْس (على وَجه مُسْتَلْزم) للمطلوب بِأَن يكون مستجمعا شَرَائِط الإنتاج على مَا سَيَجِيءُ، وَهُوَ شَامِل للنَّظَر الصَّحِيح وَالْفَاسِد، لِأَن التَّرْتِيب على وَجه مُسْتَلْزم لَا يسْتَلْزم صِحَة النّظر، لِأَن الْفساد قد يكون من حَيْثُ الْمَادَّة على أَنه لَو أُرِيد بِالْوَجْهِ المستلزم مَا هُوَ بِحَسب ظن النَّاظر يجوز أَن يكون الْفساد من حَيْثُ الصُّورَة أَيْضا، فَالْمُرَاد بالمناسب مَا هُوَ مُنَاسِب بِحَسب اعْتِقَاده، وَالْأَظْهَر أَن الْمُعَرّف هَهُنَا النّظر التصديقي كَمَا لَا يخفى على النَّاظر فِي التَّعْرِيف، فَإِن قلت التَّخْصِيص مَا ذكرت لَهُ وجهة نظر إِلَى مَا هُوَ الْمَقْصُود فِي الْأُصُول فَمَا وَجه التَّخْصِيص بِالْقِيَاسِ الاقتراني؟ قلت الاستثنائي يرجع إِلَيْهِ مَآلًا يرشدك إِلَيْهِ مَا فِي الشَّرْح العضدي، من أَنه لَا بُد فِي الدَّلِيل من مُسْتَلْزم للمطلوب حَاصِل للمحكوم عَلَيْهِ ليلزم من ثُبُوته لَهُ ثُبُوت لَازمه لَهُ، فَيكون الْحَاصِل جزئيا، وَلذَا وَجَبت فِيهِ المقدمتان لتنبئ إِحْدَاهمَا عَن اللُّزُوم، وَهِي الْكُبْرَى وَالْأُخْرَى عَن ثُبُوت اللُّزُوم، وَهِي الصُّغْرَى فَإِن قلت هَذَا مُخْتَصّ بِبَعْض الدَّلَائِل، وَإِلَّا فَمَا تَقْرِيره فِي نَحْو لَا شَيْء من الْملح بمقتات وكل رِبَوِيّ مقتات، وَفِي نَحْو لَو كَانَ الْملح ربويا لَكَانَ مقتاتا وَلَيْسَ فَلَيْسَ، قُلْنَا مهما جعلنَا الْمَطْلُوب وَالْوسط هما النَّفْي أَو الْإِثْبَات يَزُول هَذَا الْوَهم، وَتَقْرِيره فِي المثالين أَن نفي الاقتيات حَاصِل لَهُ، ويستلزم نفي الربوية، وَفِي الثَّانِي كَذَلِك انْتهى، فَيصير الْقيَاس هَكَذَا الْملح مُنْتَفٍ عَنهُ الاقتيات، وكل مَا انْتَفَى عَنهُ الاقتيات مُنْتَفٍ عَنهُ الربوية ينْتج أَن الْملح مُنْتَفٍ عَنهُ الربوية، قَوْله مهما جعلنَا إِلَى آخِره، يَعْنِي أَن منشأ الْوَهم توهم أَن المُرَاد بالمطلوب هُوَ النتيجة، وبالوسط الْحَد الْأَوْسَط، وبحصوله للمحكوم

الصفحة 32