كتاب تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه (اسم الجزء: 1)

بِالْحَدِّ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وتجويز الِانْتِقَال) عَن الْمَطْلُوب الْمَعْلُوم بِوَجْه عِنْد حَرَكَة النَّفس نَحْو المبادي (إِلَى) مبدأ (بسيط) مُنَاسِب للمطلوب (يلْزمه الْمَطْلُوب لَيْسَ) شَيْئا يعْتد (بِهِ وَلَو كَانَ) الِانْتِقَال الْمَذْكُور مَسْبُوقا (بِالْقَصْدِ) فَلَا يتَوَهَّم أَن المُرَاد بالانتقال الْمَذْكُور مَا لم يكن مَسْبُوقا بِقصد تَحْصِيل الْمَطْلُوب: وَهُوَ الْمُوجب لعدم الِاعْتِدَاد بِهِ لفَوَات شَرط النّظر (إِذْ لَيْسَ النّظر الْحَرَكَة الأولى) أَي حَرَكَة النَّفس من الْمَطْلُوب إِلَى المبادي، بل هِيَ وَالْحَرَكَة الثَّانِيَة وَهِي حركتها من المبادي إِلَى الْمَطْلُوب، أَشَارَ إِلَى أَن الِانْتِقَال الْمَذْكُور لَيْسَ شَيْئا غير الْحَرَكَة الأولى، وَالنَّظَر لَا يتَحَقَّق بمجرها، وَذَلِكَ أَن الِانْتِقَال من الْمَطْلُوب إِلَى بسيط يلْزمه الْمَطْلُوب حَرَكَة وَاحِدَة، لِأَن الْمَلْزُوم وَاللَّازِم متحدان بِالزَّمَانِ فَلَا يُمكن اعْتِبَار حَرَكَة ثَانِيَة من ذَلِك الْبَسِيط إِلَى الْمَطْلُوب، وَلما كَانَ الْمَفْهُوم من بعض عِبَارَات الْقَوْم أَن الْحَرَكَة الأولى تَسْتَلْزِم الثَّانِيَة، وَكَانَ يتَّجه على ذَلِك أَن يُقَال سلمنَا أَن النّظر مَجْمُوع الحركتين، لَكِن الأولى تَسْتَلْزِم الثَّانِيَة، وَعند تحقق الْمَلْزُوم يتَحَقَّق اللَّازِم لَا محَالة، وَحِينَئِذٍ يتَحَقَّق النّظر، أَشَارَ إِلَى دفع ذَلِك بقوله (إِذْ لَا تَسْتَلْزِم) الْحَرَكَة الأولى الْحَرَكَة (الثَّانِيَة بِخِلَاف الثَّانِيَة) فَإِنَّهَا تَسْتَلْزِم الأولى (وَلذَا) أَي وَلكَون الثَّانِيَة تَسْتَلْزِم الأولى (وَقع التَّعْرِيف) أَي تَعْرِيف النّظر (بهَا) أَي بالحركة الثَّانِيَة من غير ذكر الأولى مَعهَا كترتيب أُمُور الخ: أَي مَعْلُومَة للتأدي إِلَى مَجْهُول، أَو على وَجه يُؤَدِّي إِلَى استلزام مَا لَيْسَ بِمَعْلُوم، بَيَان ذَلِك أَن النَّفس إِذا تَوَجَّهت من الْمَطْلُوب نَحْو المبادي وتحركت فِي الكيف بِأَن تكيفت بِوَاحِد بعد وَاحِد من الْمعَانِي المخزونة عِنْدهَا إِلَى أَن ظَفرت بمباديه الْمُنَاسبَة انْتهى عِنْد ذَلِك حركتها الأولى، وَعند ذَلِك تبدأ بحركتها الثَّانِيَة فترتب تِلْكَ المبادي بحملها الْأَوْسَط على الْأَصْغَر والأكبر على الْأَوْسَط، وَغير ذَلِك حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى الْمَطْلُوب، وَهَذِه حركتها الثَّانِيَة، وَقد اعْتبر فِيهَا أَن يكون مبدؤها من حَيْثُ تَنْتَهِي إِلَيْهِ الْحَرَكَة الأولى، فَلذَلِك استلزمتها، وَالْأولَى بِمَنْزِلَة الْمَادَّة للفكر، وَالثَّانيَِة بِمَنْزِلَة الصُّورَة لَهُ. وَقد علم بذلك أَنه لَا بُد فِي النّظر من مَجْمُوع الحركتين وَمن التَّرْتِيب الْمَذْكُور، ثمَّ الْكَلَام فِي أَن هَذَا التَّرْتِيب هَل هُوَ عين الْحَرَكَة الثَّانِيَة المستلزمة للأولى، أَو هما متلازمان وَأَن النّظر هَل هُوَ عين الحركتين أَو التَّرْتِيب، فَإِنَّمَا هُوَ نزاع فِي إِطْلَاق اللَّفْظ على مَا حَقَّقَهُ السَّيِّد السَّنَد، وَقد فسر بِكُل مِنْهُمَا وَبِكُل من الحركتين أَيْضا بطرِيق الِاكْتِفَاء بِذكر أحد جزئي الشَّيْء عَنهُ وَالله أعلم (وَقد ظهر) من تَعْرِيف النّظر وَالدَّلِيل (أَن فَسَاد النّظر) بأمرين (بِعَدَمِ الْمُنَاسبَة) بَين المبادي وَالْمَطْلُوب بِحَيْثُ لَا يُفْضِي الْعلم بهَا إِلَى الْعلم بِهِ (وَهُوَ) أَي عدم الْمُنَاسبَة (فَسَاد الْمَادَّة) كَمَا إِذا جعلت مَادَّة حُدُوث الْعَالم بساطته (وَعدم ذَلِك الْوَجْه) إِشَارَة إِلَى مَا ذكر فِي تَعْرِيف النّظر من قَوْله على وَجه يسْتَلْزم

الصفحة 36