كتاب تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه (اسم الجزء: 1)

فَإِنَّهُ عبارَة عَن الصُّور كَمَا أَفَادَ بقوله (وَهُوَ) أَي ذَلِك الْوَجْه (جعل الْمَادَّة) مرتبَة (على حد معِين) من وُجُوه التَّرْتِيب (فِي انتساب بَعْضهَا) أَي الْمَادَّة (إِلَى بعض) كَمَا صورناه فِي تركيب الْحَد الْأَوْسَط مَعَ طرفِي الْمَطْلُوب إِجْمَالا، وتفصيله مَا أَفَادَهُ بقوله (وَذَلِكَ) الْحَد الْمعِين (طرق) أَرْبَعَة (الأول مُلَازمَة بَين مفهومين، ثمَّ نفي اللَّازِم لينتفي الْمَلْزُوم، أَو إِثْبَات الْمَلْزُوم ليثبت اللَّازِم) أَي الأول، خلاصته مُلَازمَة بَين مفهومين هما مَضْمُونا قضيتين الْمُقدم والتالي، ثمَّ نفي اللَّازِم الَّذِي هُوَ التَّالِي لينتج نفي الْمَلْزُوم، أَو إِثْبَات الْمَلْزُوم الَّذِي هُوَ الْمُقدم لينتج ثُبُوت اللَّازِم، فَهُوَ بِالْحَقِيقَةِ مقدمتان شَرْطِيَّة مُتَّصِلَة مُوجبَة لزومية واستثنائية حملية هِيَ عين مقدم الشّرطِيَّة الْمَذْكُورَة، أَو نقيض تَالِيهَا، وَيُقَال لَهُ الْقيَاس الاستثنائي لما فِيهِ من اسْتثِْنَاء عين الْمُقدم أَو نقيض التَّالِي كَمَا عَلَيْهِ الْمُقدم والتالي ونقيضهما فِي صدر الْكَلَام من كَونهَا مَشْكُوك الْوُجُود والعدم وَكَون الْمُقدمَة الثَّانِيَة فِيهِ مصدرة بأداة الِاسْتِثْنَاء: أَعنِي كلمة لَكِن (أَو نفي الْمَلْزُوم لنفي اللَّازِم فِي الْمُسَاوَاة) يَعْنِي فِيمَا إِذا كَانَ الْمُقدم والتالي متساويين فِي التحقق بِأَن يكون كل مِنْهُمَا لَازِما للْآخر ينْتج نفي الْمُقدم نفي التَّالِي، لِأَن نفي اللَّازِم يسْتَلْزم نفي الْمَلْزُوم، وَكَذَا ينْتج ثُبُوت التَّالِي ثُبُوت الْمُقدم، لِأَن ثُبُوت الْمَلْزُوم يسْتَلْزم ثُبُوت اللَّازِم، وَإِلَيْهِ أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (أَو ثُبُوت اللَّازِم لثُبُوت الْمَلْزُوم فِيهِ) أَي التَّسَاوِي (أَيْضا) غير أَن شَارِح الْمُخْتَصر قَالَ: وَلَا يلْزم من اسْتثِْنَاء نقيض الْمُقدم نقيض التَّالِي وَلَا من اسْتثِْنَاء عين التَّالِي عين الْمُقدم لجَوَاز أَن يكون اللَّازِم أَعم، نعم لَو قدر التَّسَاوِي لزم ذَلِك، وَلَكِن لخُصُوص الْمَادَّة لَا لنَفس صُورَة الدَّلِيل، وَهُوَ بِالْحَقِيقَةِ لملاحظة لُزُوم الْمُقدم للتالي وَهُوَ مُتَّصِل آخر، وَالْمُصَنّف رَحمَه الله نظر إِلَى أصل الإنتاج وَقطع النّظر عَن نفس صورته كَمَا هُوَ اللَّائِق باعتبارات الْأُصُولِيِّينَ، أَلا ترى أَنه أَدخل قِيَاس الْمُسَاوَاة فِي الدَّلِيل، والمنطقيون أَخْرجُوهُ مِنْهُ (كَانَ) كَانَ هَذَا الْفِعْل وَاجِبا (أَو كلما) كَانَ هَذَا الْفِعْل وَاجِبا (أَو لَو كَانَ) هَذَا الْفِعْل (وَاجِبا فتاركه يسْتَحق الْعقَاب) فَهَذِهِ شَرْطِيَّة كَمَا ذكر (لَكِن لَا يسْتَحق) تَارِك هَذَا الْفِعْل الْعقَاب، فَهَذِهِ الحملية الْمَذْكُورَة مضمونها نفي التَّالِي ينْتج نفي الْمُقدم، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (فَلَيْسَ) هَذَا الْفِعْل وَاجِبا (أَو وَاجِب) عطف على قَوْله لَا يسْتَحق: أَي لَكِن هَذَا الْفِعْل وَاجِب ينْتج إِثْبَات اللَّازِم أَعنِي (فَيسْتَحق) تَاركه الْعقَاب، وَلما كَانَ الْمِثَال الْمَذْكُور من صور الْمُسَاوَاة، لِأَن كل وَاجِب يستحن تَاركه الْعقَاب، وكل مَا يسْتَحق تَاركه الْعقَاب وَاجِب صور الْوُجُوه الْأَرْبَعَة فِيهِ فَقَالَ (أَو لَيْسَ وَاجِبا) مِثَال لنفي الْمَلْزُوم ينْتج نفي اللَّازِم أَعنِي (فَلَا يسْتَحق تَاركه) غَايَة الْأَمر أَنه لم يُصَرح بِذكر الرَّابِع اعْتِمَادًا على فهم الْمُخَاطب واكتفاء بِالْإِشَارَةِ، وَهُوَ: أَي يسْتَحق فَهُوَ وَاجِب (الطَّرِيق الثَّانِي) الْقيَاس الاستثنائي الْمُنْفَصِل، وَهُوَ أَيْضا

الصفحة 37