كتاب تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه (اسم الجزء: 1)

من التَّقْرِير: وَهُوَ حَال عَن ضمير تَقْرِيره، وَلَيْسَ المُرَاد بِمثل هَذَا حَقِيقَة التَّشْبِيه، بل كَون مَا قصد بَيَانه بِحَيْثُ يعبر عَنهُ بِهَذِهِ الْعبارَة وَنَحْوهَا وَمَا بعده بدل عَنهُ وَهُوَ قَوْله (دلّ) أَي النَّص الْمَذْكُور (على سبق اللُّغَات الْإِرْسَال) لدلالته على مُلَابسَة الرُّسُل اللُّغَة المنسوبة إِلَى الْقَوْم قبل الْإِرْسَال، لِأَن تخاطبهم بِتِلْكَ اللُّغَة يسبب كَون الرَّسُول متلبسا بهَا حَال الْإِرْسَال ليبين لَهُم مَا أمروا بِهِ فيفهموا بِيَسِير (وَلَو كَانَ) حُصُول اللُّغَات لَهُم (بالتوقيف) من الله تَعَالَى (وَلَا يتَصَوَّر) التَّوْقِيف (إِلَّا بِالْإِرْسَال) لِأَنَّهُ الطَّرِيق الْمُعْتَاد فِي تَعْلِيم الله سُبْحَانَهُ للعباد (سبق الْإِرْسَال اللُّغَات فيدور) وَهُوَ دور تقدم بِمَعْنى مسبوقية الشَّيْء بِمَا هُوَ مَسْبُوق بذلك الشَّيْء، وَهُوَ محَال وَإِن كَانَ سبقا زمانيا لَا ذاتيا، فَإِن سبق الشَّيْء على نَفسه زَمَانا ظَاهر الاستحالة (فغلط) جَوَاب أما (لظُهُور أَن كَون التَّوْقِيف لَيْسَ إِلَّا بِالْإِرْسَال إِنَّمَا يُوجب سبق الْإِرْسَال على التَّوْقِيف لَا) سبق الْإِرْسَال على (اللُّغَات) حَتَّى يلْزم الدّور، وَلَك أَن تَقول سبق الْإِرْسَال على التَّوْقِيف لعدم حُصُوله بِلَا إرْسَال رَسُول، وَلَا شكّ أَنه لَا يحصل إِلَّا برَسُول عَالم باللغات ليعلم قومه إِيَّاهَا، وَالْحَاصِل أَن النَّص يدل على تقدم اللُّغَات من حَيْثُ أَنَّهَا مَعْلُومَة للْقَوْم على الْإِرْسَال والتوقيف يدل على أَنَّهَا من تِلْكَ الْحَيْثِيَّة مُتَأَخِّرَة عَن الْإِرْسَال فَسبق الْإِرْسَال على التَّوْقِيف يسْتَلْزم سبقه على اللُّغَات من حَيْثُ كَونهَا مَعْلُومَة لَهُم وَإِن لم يسْتَلْزم سبقه عَلَيْهَا من حَيْثُ ذواتها، وَذَلِكَ كَاف فِي إِثْبَات الدّور، وَيُمكن أَن يُجَاب عَنهُ بِأَنَّهُ يجوز أَن يتَعَلَّق باللغات نَوْعَانِ من الْعلم، أَحدهمَا بطرِيق التَّوْقِيف، وَالْآخر بطرِيق آخر: كالضرورة مثلا، وَتَكون اللُّغَات من حَيْثُ معلوميتها بالنوع الأول مُتَأَخِّرًا عَن الْإِرْسَال، وَمن حَيْثُ معلوميتها بِالثَّانِي مُتَقَدما عَلَيْهِ، فَحِينَئِذٍ معنى قَوْله لَا على اللُّغَات لَا عَلَيْهَا من حَيْثُ معلوميتها بِغَيْر طَرِيق التَّوْقِيف أَولا عَلَيْهَا من جَمِيع الحيثيات، فالآية لَا تدل على أَن الْوَاضِع إِنَّمَا هُوَ الْبشر، وَإِن سلم دلالتها على سبق اللُّغَات على الْإِرْسَال، وَكَون التَّوْقِيف لَيْسَ إِلَّا بِالْإِرْسَال (بل يُفِيد سبقها) أَي كَون التَّوْقِيف كَمَا ذكر لَا يُوجب سبق الْإِرْسَال على اللُّغَات بل يُفِيد سبق اللُّغَات على الْإِرْسَال، لِأَن الْإِرْسَال لتعليمها إِنَّمَا يكون بعد وجودهَا مَعْلُومَة للرسول عَادَة ليترتب فَائِدَة الْإِرْسَال عَلَيْهِ بِلَا تَأَخّر (فَالْجَوَاب) من قبل التوقيفية عَن الِاسْتِدْلَال الْمَذْكُور (بِأَن آدم علمهَا) بِلَفْظ الْمَبْنِيّ للْمَفْعُول بتعليم الله، وَالضَّمِير للأسماء (وَعلمهَا) بِلَفْظ الْمَبْنِيّ للْفَاعِل آدم غَيره (فَلَا دور) إِذْ تَعْلِيمه بِالْوَحْي يستدعى تقدم الْوَحْي على اللُّغَات، لَا تقدم الْإِرْسَال وَلَا يتَصَوَّر الْإِرْسَال عِنْد ذَلِك لعدم الْقَوْم وَبعد أَن وجدوا وتعلموا اللُّغَات مِنْهُ أرسل إِلَيْهِم وَحَاصِل الْجَواب منع كَون التَّوْقِيف لَيْسَ إِلَّا بِالْإِرْسَال فَقَوله (وبمنع حصر التَّوْقِيف على الْإِرْسَال) يغاير الْجَواب الأول بِاعْتِبَار السَّنَد، فَإِن سَنَد هَذَا تَجْوِيز، وَسَنَد

الصفحة 51