كتاب تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه (اسم الجزء: 1)

ذَلِك أَمر نقلي، وَالْأَوْجه أَن يُقَال الأول مُعَارضَة، وَالْمُدَّعِي أَن الْبشر لَيْسَ بواضع، لِأَن آدم علمه الله تَعَالَى: وَغَيره علمه آدم، فَلم يكن أحد وَاضِعا، غَايَة الْأَمر أَنه أُشير فِي ضمنه إِلَى بطلَان دليلهم بِأَنَّهُ لَو كَانَ التوفيف يسْتَلْزم الدّور لما وَقع لكنه وَقع (لجوازه) أَي التَّوْقِيف من الله (بالإلهام) أَي بإلقاء الله تَعَالَى فِي روع الْعَاقِل من غير كسب مِنْهُ أَن هَذِه الْأَلْفَاظ مَوْضُوعَة بِإِزَاءِ هَذِه الْمعَانِي (ثمَّ دَفعه) أَي هَذَا التجويز (بِخِلَاف الْمُعْتَاد) أَي بِأَن التَّوْقِيف بِغَيْر الْإِرْسَال من الإلهام وَنَحْوه خلاف مَا جرت بِهِ الْعَادة الألهية، فَإِن لم يقطع بِعَدَمِهِ فَلَا أقل من أَن يكون خلاف الظَّاهِر فَلَا يُصَار إِلَيْهِ بِمُجَرَّد التجويز (ضائع) خبر قَوْله فَالْجَوَاب إِلَى آخِره وَذَلِكَ لكَونه مَبْنِيا على الدّور، وَقد عرفت أَنه غلط مُسْتَغْنى عَنهُ (بل الْجَواب) الْمُعْتَمد الْمَبْنِيّ على تَقْرِير استدلالهم بِالْآيَةِ على الْوَجْه التَّام (أَنَّهَا) أَي الْإِضَافَة فِي قَوْله تَعَالَى بِلِسَان قومه (للاختصاص) أَي اخْتِصَاص اللِّسَان بهم من بَين النَّاس لتخاطبهم بهَا من سَائِر اللُّغَات (وَلَا يسْتَلْزم) الِاخْتِصَاص (وضعهم) إِيَّاهَا (بل يثبت) الِاخْتِصَاص (مَعَ تَعْلِيم آدم بنيه إِيَّاهَا) أَي اللُّغَات (وتوارث الأقوام) من السّلف وَالْخلف بالتعليم والتعلم (فاختص كل) أَي كل قوم (بلغَة) دلّت الْفَاء التعقيبية على أَن اخْتِصَاص كل قوم بلغَة إِنَّمَا حدث بعد التَّوَارُث، فعلى هَذَا لَا يلْزم أَن الْأَوَائِل لم يَكُونُوا كَذَلِك، بل كَانُوا يخاطبون بِكُل لُغَة (وَأما تَجْوِيز كَون علم) أَي كَون المُرَاد بِعلم آدم الْأَسْمَاء (ألهمه الْوَضع) بِأَن بعث داعيته وَألقى فِي روعه كيفيته حَتَّى فعل كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {وعلمناه صَنْعَة لبوس} - (أَو مَا سبق وَضعه مِمَّن تقدم) أَي أَو ألهمه الْأَسْمَاء السَّابِق وَضعهَا مِمَّن تقدم آدم، فقد ذكر غير وَاحِد من الْمُفَسّرين أَن الله تَعَالَى خلق جانا قبله وأسكنهم الأَرْض، ثمَّ أهلكهم بِذُنُوبِهِمْ (فخلاف الظَّاهِر) لِأَن الأَصْل عدم الْوَضع السَّابِق، والمتبادر من التَّعْلِيم أَن يكون بطرِيق الْخطاب لَا الإلهام (و) هَذِه (الْمَسْأَلَة ظنية) فَلَا يتَّجه أَن دليلها لَا يُفِيد الْقطع فَلَا يعْتَبر وَهِي (من الْمُقدمَات) لِلْأُصُولِ، وَمَا يذكر قبل الشُّرُوع فِيهِ لمزيد بَصِيرَة، لَا من مقاصده وَلَا من مباديه الَّتِي يتَوَقَّف عَلَيْهَا مسَائِله (و) إِطْلَاق (المبادي فِيهَا) أَي الْمَسْأَلَة الْمَذْكُورَة (تَغْلِيب) فَلَا يتَّجه أَنه كَيفَ ذكرت فِي المبادي اللُّغَوِيَّة (كَالَّتِي تَلِيهَا) أَي كَمَا فِي الْمَسْأَلَة الَّتِي تلِي هَذِه الْمَسْأَلَة من أَن الْمُنَاسبَة بَين اللَّفْظ، وَالْمعْنَى مُعْتَبرَة أم لَا، فَإِنَّهَا أَيْضا ظنية من الْمُقدمَات، ثمَّ أَشَارَ إِلَى دفع مَا دفع بِهِ احتجاج التوقيفية بِالْآيَةِ بقوله (وَكَون المُرَاد بالأسماء) الْمَذْكُورَة فِي الْآيَة (المسميات) وَهِي الْحَقَائِق الْمَوْضُوعَة بإزائها الْأَسْمَاء (بعرضهم) أَي بِدلَالَة قَوْله تَعَالَى عرضهمْ فِي قَوْله - {ثمَّ عرضهمْ على الْمَلَائِكَة فَقَالَ أنبئوني بأسماء هَؤُلَاءِ} - لِأَن الْعرض للسؤال عَن أَسمَاء المعروضات، فَلَا يكون المعروض الَّذِي هُوَ مرجع

الصفحة 52