كتاب تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه (اسم الجزء: 1)

باعتراف الْخصم (بل حكم أهل اللُّغَة وَالشَّرْع) كلمة بل للترقي بِضَم أهل اللُّغَة إِلَى أهل الْإِجْمَاع الَّذِي هُوَ أصل الشَّرْع (بِأَنَّهُ) أَي الشَّأْن (مَا دَامَ الْمَعْنى مودعا حافظة الْمدْرك كَانَ قَائِما بِهِ) المُرَاد بِالْمَعْنَى الْإِيمَان وَنَحْوه من الصِّفَات النفسية الإدراكية، والمدرك الْعقل، وَلَيْسَ المُرَاد بالحافظة مصطلح الْحُكَمَاء، أعيى خزانَة الواهمة الَّتِي تدْرك الْمعَانِي الْجُزْئِيَّة الْمُتَعَلّقَة بالمحسوسات كصداقة زيد وعداوة عَمْرو، بل الْقُوَّة الَّتِي تحفظ مدركات الْعقل مُطلقًا، وَالْمعْنَى حكم الْفَرِيقَانِ بِقِيَام الْإِيمَان وَنَحْوه بالمدرك مَا دَامَ مَوْجُودا فِي خزانته (مَا لم يطْرَأ) على الْمدْرك (حكم يناقضه) أَي الْمَعْنى الْمَذْكُور، كلمة مَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ مَصْدَرِيَّة نائبة عَن الظّرْف الْمُضَاف إِلَى الْمصدر المؤولة هِيَ وصلتها بِهِ: أَي مُدَّة دوَام الْمَعْنى وَمُدَّة عدم طروحكم، والظرف الثَّانِي بدل عَن الأول، وَفِي الْحَقِيقَة تَفْسِير لَهُ، لِأَن مُدَّة دوَام الْمَعْنى هِيَ مُدَّة عدم طرُو مَا يناقضه، وَالْعَامِل فيهمَا كَذَلِك، وَلَك أَن تجْعَل الظّرْف الثَّانِي مَعْمُولا لقوه مودعا، غير أَنه موهم وجود الْإِيدَاع على تَقْدِير الطرو أَيْضا، وَالْمرَاد بالحكم المناقض مَا يُنَافِي الْإِيمَان من قَول أَو فعل كالتكلم بِكَلِمَة الْكفْر وَعبادَة الْأَوْثَان، وتسميتهما حكما، لِأَنَّهُ سَبَب لترتيب أَحْكَام بِوَضْع الشَّارِع فَهُوَ من خطاب الْوَضع الَّذِي يُسمى حكما عِنْد الْأُصُولِيِّينَ (بِلَا شَرط دوَام الْمُشَاهدَة) مُتَعَلق بِحكم: أَي لَا يشْتَرط فِي قيام الْإِيمَان بالمدرك الْمُؤمن دوَام مشاهدته باستحضار صورته، وَالنَّظَر إِلَيْهَا من غير أَن تغيب (فالإطلاق) أَي إِطْلَاق الْمُؤمن على الغافل والنائم وَغَيرهمَا (حِينَئِذٍ) أَي حِين إِذْ يكون الْإِيمَان مودعا فِي الحافظة كامنا (حَال قيام الْمَعْنى) الَّذِي هُوَ الْإِيمَان (وَهُوَ) أَي إِطْلَاق الْوَصْف على الذَّات حَال قيام الْمَعْنى (حَقِيقِيّ اتِّفَاقًا فَلم يفد) صِحَة إِطْلَاق الْمُؤمن على الغافل والنائم (فِي مَحل النزاع شَيْئا) من الْفَائِدَة لِأَن النزاع فِيمَا بعد انْقِضَاء الْمَعْنى (وَبِه) أَي بِهَذَا الْجَواب الْحق (يبطل الْجَواب بِأَنَّهُ) أَي الْمُؤمن فِي الغافل والنائم (مجَاز) لما عرفت من أَن إِطْلَاقه عَلَيْهِمَا حَال قيام الْمَعْنى، وَهُوَ حَقِيقِيّ (وإثباته) أَي إِثْبَات أَنه مجَاز (بامتناع) أَن يُقَال (كَافِر لمُؤْمِن صَحَابِيّ أَو غَيره الخ بَاطِل) لِأَن امْتنَاع إِطْلَاق كَافِر لمُؤْمِن تقدم كفره إِنَّمَا هُوَ من جِهَة الشَّرْع، وَأما امْتِنَاعه من جِهَة اللُّغَة فَعدم صِحَّته غير مُسلم (بل صِحَّته) أَي صِحَة إِطْلَاق كَافِر عَلَيْهِ (لُغَة اتِّفَاق) أَي مُتَّفق عَلَيْهِ بَين أهل اللُّغَة (وَإِنَّمَا الْخلاف فِي أَنه) أَي الْكَافِر فِي الْمُؤمن الْمَذْكُور (حَقِيقَة) لُغَة أَو مجَازًا (وَالْمَانِع) عَن الْإِطْلَاق أَمر (شَرْعِي) لَا لغَوِيّ فَإِنَّهُ مَنْهِيّ تَعْظِيمًا لَهُ (واذن) ظرف زمَان فِيهِ معنى الشَّرْط غَالِبا، وَقد يكون لمُجَرّد الظَّرْفِيَّة، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {فعلتها إِذا وَأَنا من الضَّالّين} - أَصله إِذا حذفت الْجُمْلَة الْمُضَاف إِلَيْهَا، وَعوض مِنْهَا التَّنْوِين، والعالم فِيهِ الادعاء الْمَذْكُور فِي قَوْلهم (لَهُم ادِّعَاء كَونه حَقِيقَة)

الصفحة 76