كتاب تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه (اسم الجزء: 1)

نسبه، فَإِنَّهُ مَفْهُوم إِشَارَة (من آيَة: {وعَلى الْمَوْلُود لَهُ رزقهن وكسوتهن بِالْمَعْرُوفِ} (دون الْأُم) لِأَن اللَّام للاختصاص، فَيجب كَون الْوَالِد أخص بِالْوَلَدِ من سواهُ فِي الْولادَة الَّذِي هُوَ الانتساب، وَهُوَ غير مَقْصُود مِنْهَا، وَإِنَّمَا الْمَقْصُود من سوقها إِيجَاب النَّفَقَة وَالْكِسْوَة على الْوَلَد فَإِن قلت قد سبق أَن السُّوق الْأَصْلِيّ وَغَيره، والاختصاص لكَونه معنى اللَّام مسوق لَهُ تبعا قلت معنى اللَّام الِاخْتِصَاص مُطلقًا، لَا من حَيْثُ النّسَب فَتَأمل، وَهَذَا مِثَال لما يتَأَمَّل فِيهِ لغموضه، وَلذَا خَفِي على كثير من الأذكياء (فَيثبت أَحْكَام) متفرعة على الِاخْتِصَاص الْمَذْكُور (من انْفِرَاده) أَي الْأَب (بِنَفَقَتِهِ) أَي الْوَلَد كَالْعَبْدِ لما كَانَ مُخْتَصًّا بالمولى لَا يُشَارِكهُ أحد فِي نَفَقَته، لِأَن غرمه على من لَهُ غنمه، فَأصل النَّفَقَة وُجُوبه بِعِبَارَة النَّص، والانفراد بإشارته (والإمامة والكفاءة وعدمهما) أَي الْإِمَامَة والكفاءة، يَعْنِي من تِلْكَ الْأَحْكَام أَهْلِيَّة الْوَلَد للْإِمَامَة الْكُبْرَى وكفاءته للقرشية مثلا، إِذا كَانَ الْأَب أَهلا وكفؤا لَهما: أَي من حَيْثُ النّسَب فَلَا يرد الْوَلَد الَّذِي لَا يستجمع شرائطها لم يَتَعَدَّ إِلَيْهِ، وَكَذَا إِذا لم يكن الْأَب أَهلا وكفؤا لم يكن الْوَلَد أَهلا وكفؤا (مَا لم يُخرجهُ الدَّلِيل) اسْتثِْنَاء معنى: أَي يثبت جَمِيع الْأَحْكَام الَّتِي يقتضيها الِاخْتِصَاص الْمَذْكُور إِلَّا مَا أخرجه الدَّلِيل عَن أَن يثبت، فَلَا يثبت حُرِّيَّته ورقه بتبعية الْأَب لكَونه تَابعا للْأُم فيهمَا، لما ورد فيهمَا من الْأَثر (وَزَوَال ملك المُهَاجر) من دَار الْحَرْب إِلَى دَار الْإِسْلَام مَعْطُوف على الِاخْتِصَاص، فَهُوَ مِثَال آخر لما يتَأَمَّل فِيهِ (عَن المخلف) مُتَعَلق بالزوال: أَي عَمَّا خَلفه فِي دَار الْحَرْب باستيلاء الْكفَّار واحرازهم إِيَّاه (من لفظ الْفُقَرَاء)، فِي قَوْله تَعَالَى - {للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين الَّذين أخرجُوا من دِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ} - وَالْجَار مُتَعَلق بِمَحْذُوف هُوَ صفة الزَّوَال: أَي الْمَفْهُوم إِشَارَة مِنْهُ، وَالْكَلَام إِنَّمَا سيق لبَيَان اسْتِحْقَاق الْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة سَهْما من الْغَنِيمَة، وَلم يقْصد بِهِ زَوَال ملكهم عَنهُ أصلا، لكنه يفهم بِإِشَارَة لفظ الْفُقَرَاء، فَإِن الْفَقِير لُغَة من لَهُ مَا يَكْفِي عِيَاله، أَو من يجد الْقُوت، والمسكين من لَا شَيْء لَهُ، وَقيل المعتر الْمُحْتَاج، والمسكين من أذله الْفقر وَغَيره، وَقيل هُوَ أخس حَالا من الْفَقِير، وَقيل هما سَوَاء، وَشرعا من لم يملك النّصاب، وكل وَاحِد من الْمعَانِي الْمَذْكُورَة يلْزمه زَوَال الْملك، لِأَنَّهُ لَو لم يزل لصدق عَلَيْهِم الْأَغْنِيَاء لَا الْفُقَرَاء، لِأَن الْغَنِيّ يتَحَقَّق بِملك المَال وَإِن بَعدت يَده عَنهُ، وَكَذَا ذكر ابْن السَّبِيل مُقَابلا للْفُقَرَاء فِي النُّصُوص، وَاتفقَ على عدم دُخُوله فيهم عَامَّة الْعلمَاء فَإِن قيل هُوَ اسْتِعَارَة شبهوا بالفقراء لاحتياجهم، وَانْقِطَاع أطماعهم عَن أَمْوَالهم بِقَرِينَة إِن الله لم يَجْعَل للْكَافِرِينَ على الْمُؤمنِينَ سَبِيلا، وَالْمرَاد السَّبِيل الشَّرْعِيّ لَا الْحسي، وبقرينة إِضَافَة الديار وَالْأَمْوَال إِلَيْهِم أُجِيب بِأَن الأَصْل الْحَقِيقَة، وَنفي السَّبِيل بِاعْتِبَار أَنهم لَا يملكُونَ أنفس الْمُؤمنِينَ

الصفحة 88