كتاب تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه (اسم الجزء: 1)

مقَام التَّأْدِيب والتعذيب يدل على الإيلام، فَمن حلف لَا يضْرب كَانَ حَالفا أَن لَا يؤلم، فَيحنث بالخنق، أَو العض، وَمَا فِيهِ إيلام كالضرب (فَغير مَشْهُور) كَونهَا من دلَالَة النَّص (و) إِن دلّ اللَّفْظ (على مسكوت يتَوَقَّف صدقه) أَي الْمَنْطُوق (عَلَيْهِ) أَي على ذَلِك الْمَنْطُوق، واعتباره فِي الْكَلَام (كرفع الْخَطَأ) فِي الحَدِيث المتداول بَين الْفُقَهَاء " رفع عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان "، وَلَا يضر عدم العثور بروايته بِهَذَا اللَّفْظ، فَإِنَّهُ روى بِمَعْنَاهُ عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا " رفع الله عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ ". وَقيل رِجَاله ثِقَات، وَيجوز أَن يقْرَأ بِلَفْظ الْمصدر الْمُضَاف مشارا بِهِ إِلَى الرِّوَايَة الصَّحِيحَة، هَذَا وَلَا شكّ أَن ذَات الْخَطَأ غير مَرْفُوع لِكَثْرَة وُقُوعه، فَلَو لم يرد حكم الْخَطَأ أَو إثمه لم يكن الْكَلَام صَادِقا لعدم رفع ذَاته (أَو صِحَّته) مَعْطُوف على صدقه: أَي يتَوَقَّف صِحَة الْمَنْطُوق على اعْتِبَار ذَلِك الْمَسْكُوت كَمَا فِي: أعتق عَبدك عني بِأَلف فَإِنَّهُ لَو لم يكن المعني بِعْ عَبدك مني بِأَلف، وَكن وَكيلِي فِي إِعْتَاقه لم يَصح هَذَا الْكَلَام وَلم يستقم (على مَا سنذكر) تَفْصِيله فِي مسئلة الْمُقْتَضى (اقْتِضَاء) أَي لدلَالَة على الْمَسْكُوت المتوقف عَلَيْهِ صدق الْمَنْطُوق، أَو صِحَّته اقْتِضَاء، وَوجه التَّسْمِيَة ظَاهر فَإِن قلت كل وَاحِد كَمَا دلّ عَلَيْهِ لفظ دلَالَة أَو اقْتِضَاء، إِمَّا مَقْصُود مِنْهُ أَولا، فعلى الأول ينْدَرج تَحت الْعبارَة، وعَلى الثَّانِي تَحت الْإِشَارَة، وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ يلْزم كَون قسم الشَّيْء قسيما لَهُ قلت لَيْسَ شَيْء مِنْهُمَا مَقْصُودا مِنْهُ، وَلَا ينْدَرج تَحت الْإِشَارَة، لِأَن المُرَاد مِنْهَا مَا لم يكن بطرِيق الدّلَالَة والاقتضاء لقَرِينَة التقابل (والشافعة قسموها) أَي الدّلَالَة الوضعية اللفظية (إِلَى مَنْطُوق دلَالَة اللَّفْظ) عطف بَيَان لمنطوق إِن جر على مَا جوزه الزَّمَخْشَرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى - {مقَام إِبْرَاهِيم} - إِنَّه عطف بَيَان لآيَات، أَو بدل مِنْهُ، وَخبر مَحْذُوف إِن رفع، ومفعول أَعنِي إِن نصب (فِي مَحل النُّطْق) ظرف للدلالة بِاعْتِبَار الْمَدْلُول، فاللفظ إِذا دلّ على حَال مَنْطُوق يُقَال دلَالَته فِي مَحل النُّطْق، وَإِذا دلّ على حَال مسكوت يُقَال دلَالَته لَيست فِي مَحل النُّطْق، لِأَن بَيَان حَال الْمَنْطُوق حقيق بِأَن يَقع النُّطْق فِيهِ وَمحل لَهُ، وَبَيَان حَال غَيره حقيق بِأَن يسكت عَنهُ (على) ثُبُوت (حكم الْمَذْكُور وَإِن) كَانَ ذَلِك الحكم (غير مَذْكُور كفى السَّائِمَة) أَي كدلالة قَوْله فِي السَّائِمَة (مَعَ قرينَة الحكم) وَهِي وُقُوعه فِي جَوَاب من قَالَ فِي الْغنم المعلوفة الزَّكَاة أم فِي السَّائِمَة على حكم غير مَذْكُور، وَهِي وجوب الزَّكَاة فِي مَحل النُّطْق لكَونه بَيَان حَال الْمَنْطُوق، وَهُوَ السَّائِمَة، وَإِضَافَة الْقَرِينَة إِلَى الحكم من قبيل إِضَافَة الدَّال إِلَى الْمَدْلُول.
(وَمَفْهُوم) مَعْطُوف على مَنْطُوق (دلَالَته) وَالْكَلَام فِيهِ كَمَا مر (لَا فِيهِ) أَي لَا فِي مَحل النُّطْق (على) ثُبُوت (حكم مَذْكُور لمسكوت) لم يذكر فِي الْكَلَام (أَو نَفْيه) أَي الحكم الْمَذْكُور (عَنهُ) أَي عَن

الصفحة 91