كتاب تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه (اسم الجزء: 1)

الْمَسْكُوت سَوَاء كَانَ الحكم الْمَذْكُور إِيجَابا أَو سلبا (وَقد يظْهر) من كَلَام الْقَوْم (أَنَّهُمَا) أَي الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم (قِسْمَانِ للمدلول): قَالَه الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ: جَعلهمَا من أَقسَام الدّلَالَة محوج إِلَى تكلّف عَظِيم فِي تَصْحِيح عِبَارَات الْقَوْم، نقل عَن المُصَنّف أَن كلمة قد هَهُنَا للتكثير، وَهِي قد تسْتَعْمل لذَلِك كَمَا قَالَه سِيبَوَيْهٍ وَغَيره (فالدلالة حِينَئِذٍ دلَالَة الْمَنْطُوق، وَدلَالَة الْمَفْهُوم لأنفسهما) يَعْنِي حِين جعل الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم قسمي الْمَدْلُول، يُقَال فِي التَّقْسِيم إِلَيْهِمَا الدّلَالَة الوضعية: أما دلَالَة الْمَنْطُوق بِأَن كَانَ مدلولها، وَأما دلَالَة الْمَفْهُوم كَذَلِك (والمنطوق) قِسْمَانِ (صَرِيح) هُوَ (دلَالَته) أَي اللَّفْظ الناشئة (عَن) مُجَرّد (الْوَضع وَلَو) كَانَت تِلْكَ الدّلَالَة (تضمنا) فانحصر الصَّرِيح فِي الْمُطَابقَة والتضمن، وَخرجت الالتزامية، لِأَنَّهَا لَيست عَن مُجَرّد الْوَضع، بل لَا بُد فِيهَا من علاقَة اللُّزُوم أَيْضا (وَغَيره) أَي غير الصَّرِيح وَهُوَ دلَالَته (على مَا يلْزم) أَي مَا وضع لَهُ (وينقسم) غير الصَّرِيح (إِلَى) الدّلَالَة على لَازم (مَقْصُود من اللَّفْظ) يتَعَلَّق قصد الْمُتَكَلّم بِهِ وَإِرَادَة إِفَادَة اللَّفْظ (فتنحصر) الدّلَالَة على اللَّازِم الْمَقْصُود بالاستقراء (فِي الِاقْتِضَاء كَمَا ذكرنَا آنِفا) أَي من سَاعَة، وَفِي أول وَقت يقرب بِنَا، يَعْنِي قَوْله وعَلى مسكوت يتَوَقَّف صدقه عَلَيْهِ كرفع الْخَطَأ أَو صِحَّته (والإيماء) وَهُوَ دلَالَته على لَازم مَقْصُود بِسَبَب (قرانه) أَي اللَّفْظ (بِمَا) أَي بِشَيْء (لَو لم يكن هُوَ) أَي ذَلِك الشَّيْء (عِلّة لَهُ) أَي لمدلوله (كَانَ) ذَلِك الْقرَان (بَعيدا) عَمَّا هُوَ الْمُتَعَارف فِي المحاورات، لكَون الْمُتَعَارف فِي المحاورات إِرَادَة علية مَا قرن بِهِ لَهُ (وَيُسمى) هَذَا الْقسم الْمُسَمّى بِالْإِيمَاءِ (تَنْبِيها) أَيْضا لِأَنَّهُ كَمَا فِيهِ إِيمَاء إِلَى علية ذَلِك الشَّيْء بِسَبَب ذَلِك الْقرَان كَذَلِك فِيهِ تَنْبِيه عَلَيْهَا أَيْضا (كقران) قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أعتق) رَقَبَة (بواقعت) أَي بقول الْأَعرَابِي " واقعت فِي نَهَار رَمَضَان يَا رَسُول الله " كَذَا ذكر الحَدِيث فِي كتب الْأُصُول، وَالْمَذْكُور فِي الصِّحَاح السِّتَّة عَن أبي هُرَيْرَة " أَتَى رجل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: هَلَكت، قَالَ مَا شَأْنك؟ قَالَ: وَقعت على امْرَأَتي فِي رَمَضَان، قَالَ: فَهَل تَجِد رَقَبَة تعتقها؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَل تَسْتَطِيع أَن تَصُوم شَهْرَيْن مُتَتَابعين؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَل تَسْتَطِيع أَن تطعم سِتِّينَ مِسْكينا؟ قَالَ: لَا، قَالَ اجْلِسْ، فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعرق فِيهِ تمر، فَقَالَ: تصدق بِهِ، قَالَ: عَليّ أفقر مني يَا رَسُول الله؟ فوَاللَّه مَا بَين لابتيها يُرِيد الحرتين أهل بَيت أفقر من أهل بَيْتِي، فَضَحِك عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى بَدَت ثناياه، وَفِي لفظ أنيابه، وَفِي لفظ نَوَاجِذه، ثمَّ قَالَ خُذْهُ فأطعمه أهلك " ذكره المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة، فقران قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجَواب وَقعت إِلَى آخِره يُفِيد علية الوقاع للاعتاق، فَإِن غَرَض السَّائِل بَيَان مُوجب فعله (وَغير مَقْصُود) عطف على مَقْصُود، فَهُوَ الْقسم الثَّانِي

الصفحة 92