كتاب تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه (اسم الجزء: 1)

(المناط) ثاني مفعولي الاعتبار: أي قوله المذكور مبني على أنه جعل مناط وجوب حد الزنا السفح المفضي إلى الإهلاك (لا مجرده) معطوف على ضمير اعتباره: أي لا اعتبار مجرد سفح الماء في محل محرم مشتهى، لتكون اللواطة مشاركة في هذا المعنى، ولا يخفى عليك أن قوله على اعتباره المناط ظاهره يدل على أنه المناط استقلالا، وقوله لا مجرده يدل على أنه جزء منه والتوجيه ظاهر (والشهوة) المأخوذة في المناط الموجودة في الزنا (أكمل) من الشهوة الكائنة في اللواطة، فإذا اعتبر في المناط تلك الشهوة لزم عدم تحققه فيها، والجملة حال عن المناط، يعني يجعل الإهلاك عن المناط حال كون الشهوة المعتبرة فيه المتحققة في الزنا أكمل (لأنها) أي الشهوة في الزنا (من الجانبين) لميلانهما إليه بالطبع بخلاف اللواطة لعدم ميل المفعول فيه بالطبع إليها، على ما هو الأصل في الجبلة السليمة، ونقصان الشهوة في المفعول فيه يستدعي نقصانها في الفاعل، لأن زيادة جاذبة المحبوب توجب زيادة محبة المحب، ولأنه يصدر عنه حينئذ أفعال تقتضي زيادة هيجان الشهوة. فإن قلت سلمنا التفاوت بين الشهوتين، لكن لا نسلم اعتبار تلك الزيادة في المناط. قلنا لا بد أن يعتبر، لأن زيادة التلذذ في المعصية يستدعي زيادة التشديد فيما يترتب عليها لما بين العمل والجزاء من المماثلة، فاللواطة لا تشارك الزنا في مناط الحكم فلا دلالة في نص وجوب حده على وجوب حدها (وهذا) القول (أوجه) من قولهما لما مر من اشتماله على اعتبار قيدين ينبغي اعتبارهما في المناط (والترجيح) الذي ذكرناه (بزيادة قوة الحرمة) في اللواطة على الحرمة في الزنا (ساقط) عن درجة الاعتبار عند انعدام تحقق المناط على ما بينا. قال الشارح في بيان السقوط: ألا ترى أن حرمة الدم والبول فوق حرمة الخمر من حيث إن حرمتهما لا تزول أبدا، وحرمتهما [وحرمتها] تزول بالتخليل، مع أنه لا يجب الحد بشربهما انتهى، ولا يخفى عليك أن الحرمة مأخوذة في المناط اتفاقا، فزيادة قوتها في اللواطة تصلح لأن تكون موجبة لأولويتها بالحكم لولا المانع، وهو عدم الإهلاك في اللواطة والأكملية، وليس في مناط حد الخمر ما يزداد قوته بما ذكر في البول فتدبر (وكذا قولهما بإيجاب القتل بالمثقل) أي كما أن قوله بعدم إيجاب الحد باللواطة بدلالة نص الزنا أوجه من قولهما كذلك قولهما بإيجاب القتل قصاصا بالقتل عمدا بالمثقل الذي لا يحتمله البنية بدلالة نص إيجاب القتل بالمثقل بما يفرق الأجزاء كالسيف أوجه من قوله (لظهور تعلقه) أي إيجاب القتل بما يفرق الأجزاء (بالقتل العمد العدوان) وعدم اعتبار خصوصية تفريق الأجزاء في الآلة، وإنما المعتبر كونها قاتلة عادة، لأن العمد، وهو القصد معتبر في قوله تعالى -كتب عليكم القصاص في القتلى-، لقوله عليه السلام في بيان موجب القتل العمد قود: أي موجبه، وحكمه الزجر به يتوفر، والعقوبة

الصفحة 97