كتاب تفسير السمعاني (اسم الجزء: 1)

{وَالنِّسَاء والولدان لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَة وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلا (98) فَأُولَئِك عَسى الله أَن يعْفُو عَنْهُم وَكَانَ الله عفوا غَفُورًا (99) وَمن يُهَاجر فِي سَبِيل الله يجد فِي الأَرْض مراغما كثيرا} شهرا، حَتَّى نَجوا، وَقدمُوا؛ فَترك ذَلِك الدُّعَاء، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ: أَلا ترونهم قد قدمُوا ". {لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَة} يعْنى: لِلْخُرُوجِ {وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلا} أَي: طَرِيقا إِلَى الْمَدِينَة
{فَأُولَئِك عَسى الله أَن يعْفُو عَنْهُم} " وَعَسَى " من الله وَاجِب؛ لِأَنَّهُ للإطماع، وَالله - تَعَالَى - إِذا أطمع عبدا أوجب لَهُ وأوصله إِلَيْهِ.
{وَكَانَ الله عفوا غَفُورًا} روى: أَنه لما نزلت هَذِه الْآيَة، كتب بهَا أَصْحَاب رَسُول الله إِلَى الْمُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّة، وَكَانَ فيهم شيخ كَبِير يُقَال لَهُ: جندع بن ضَمرَة وَيُقَال لَهُ حبيب بن ضَمرَة فَقَالَ: لست من الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَأَنا أعرف طَرِيق الْمَدِينَة، وَقَالَ لِبَنِيهِ: احْمِلُونِي إِلَى الْمَدِينَة، فَحَمَلُوهُ يأْتونَ بِهِ، فَلَمَّا بلغ التَّنْعِيم؛ أدْركهُ الْمَوْت، فَبلغ ذَلِك أَصْحَاب رَسُول الله فَقَالُوا: لَو وصل إِلَى الْمَدِينَة لأتمم الله أجره؛ فَنزل قَوْله تَعَالَى: {وَمن يخرج من بَيته مُهَاجرا إِلَى الله وَرَسُوله ثمَّ يُدْرِكهُ الْمَوْت فقد وَقع أجره على الله} يعْنى: تمّ أجره.
وَقَوله: {وَمن يُهَاجر فِي سَبِيل الله يجد فِي الأَرْض مراغما كثيرا وَسعه} المراغم: المُهَاجر، والمراغمة: المهاجرة، المُهَاجر، قَالَ أَبُو عمر بن الْعَلَاء: وَإِنَّمَا سميت المهاجرة مراغمة؛ لِأَنَّهُ من هَاجر مراغم قومه وقرابته، وَقَالَ الشَّاعِر:
(كطود يلوذ بأركانه ... عَزِيز المراغم والمهرب)
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: مراغما، أَي: متحولا يتَحَوَّل إِلَيْهِ، وَقَالَ مُجَاهِد: مراغما، أَي: متزحزحا، وَقَوله: {وسعة} قَالَ ابْن عَبَّاس: مَعْنَاهُ: وسعة فِي الرزق، قَالَ قَتَادَة:

الصفحة 470