كتاب تفسير السمعاني (اسم الجزء: 1)

{الله عليما حكيما (104) إِنَّا أنزلنَا إِلَيْك الْكتاب بِالْحَقِّ لتَحكم بَين النَّاس بِمَا أَرَاك الله وَلَا تكن للخائنين خصيما (105) واستغفر الله إِن الله كَانَ غَفُورًا رحِيما (106) وَلَا تجَادل عَن الَّذين يَخْتَانُونَ أنفسهم إِن الله لَا يحب من كَانَ خوانًا أَثِيمًا (107) يستخفون من النَّاس وَلَا يستخفون من الله وَهُوَ مَعَهم إِذْ يبيتُونَ مَا لَا يرضى من القَوْل وَكَانَ الله بِمَا يعْملُونَ محيطا} الله تَعَالَى يَقُول: {بِمَا أَرَاك الله} وَلم يقل: بِمَا رَأَيْت، {وَلَا تكن للخائنين خصيما} يَعْنِي: طعمة من الخائنين، فَلَا تكن مدافعا عَنهُ
{واستغفر الله} أمره بالاستغفار؛ لِأَنَّهُ كَانَ قد هم أَن يدافع عَنهُ {إِن الله كَانَ غَفُورًا رحِيما} .
قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تجَادل عَن الَّذين يَخْتَانُونَ أنفسهم} أَي: يخونون أنفسهم والاختيان: افتعال من الْخِيَانَة {إِن الله لَا يحب} قَالَ أهل التَّفْسِير: مَعْنَاهُ: إِن الله لَا يقرب {من كَانَ خوانًا أَثِيمًا} الخوان: الخائن والأثيم: ذُو الْإِثْم.
قَوْله تَعَالَى: {يستخفون من النَّاس وَلَا يستخفون من الله وَهُوَ مَعَهم} بشكوى بني ظفر بن الْحَارِث، مَعْنَاهُ: يستترون من النَّاس، وَلَا يستترون من الله، وَهُوَ مَعَهم {إِذْ يبيتُونَ مَالا يرضى من القَوْل} قد بَينا أَن التبييت: تَدْبِير الْفِعْل لَيْلًا؛ وَذَلِكَ التبييت مِنْهُم أَن قوم طعمة قَالُوا: ندفع أمره إِلَى النَّبِي؛ فَإِنَّهُ يسمع يَمِينه، وَقَوله؛ لِأَنَّهُ مُسلم، وَلَا يسمع من الْيَهُودِيّ؛ لِأَنَّهُ كَافِر، فَلم يرض الله تَعَالَى قَوْلهم {وَكَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ محيطا} .
قَوْله تَعَالَى: {هَا أَنْتُم هَؤُلَاءِ} يَعْنِي: أَنْتُم يَا هَؤُلَاءِ، قَالَ الزّجاج: مَعْنَاهُ: هَا أَنْتُم الَّذين {جادلتهم عَنْهُم فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} أَي: خاصمتم، وأصل الْجِدَال: الجدل، وَهُوَ الفتل، وَيُقَال: شخص أجدل، إِذا كَانَ وثيق الْخلق، وَيُقَال للصقر: أجدل؛ لِأَنَّهُ أقوى الطُّيُور على الصَّيْد.
{فَمن يُجَادِل الله عَنْهُم يَوْم الْقِيَامَة أم من يكون عَلَيْهِم وَكيلا} يَعْنِي: من الَّذِي يتَوَلَّى أَمرهم، ويذب عَنْهُم يَوْم الْقِيَامَة؟
قَوْله تَعَالَى: {وَمن يعْمل سوءا أَو يظلم نَفسه ثمَّ يسْتَغْفر الله يجد الله غَفُورًا رحِيما} عرض التَّوْبَة على طعمة وَقَومه فِي هَذِه الْآيَة، وَأمرهمْ بالاستغفار.

الصفحة 476