كتاب تفسير السمعاني (اسم الجزء: 1)

{نقيرا (124) وَمن أحسن دينا مِمَّن أسلم وَجهه لله وَهُوَ محسن وَاتبع مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا وَاتخذ الله إِبْرَاهِيم خَلِيلًا (125) وَللَّه مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض وَكَانَ الله بِكُل شَيْء} " أَلَسْت تنصب؟ أَلَسْت تحزن؟ أَلَسْت تمرض؟ أَلَيْسَ تصيبك اللأواء؟ فَذَلِك الَّذِي تُجْزونَ بِهِ " فَهَذَا معنى قَوْله تَعَالَى: {من يعْمل سوءا يجز بِهِ وَلَا يجد لَهُ من دون الله وليا وَلَا نَصِيرًا} .
قَوْله تَعَالَى: {وَمن يعْمل من الصَّالِحَات من ذكر أَو أُنْثَى وَهُوَ مُؤمن فَأُولَئِك يدْخلُونَ الْجنَّة وَلَا يظْلمُونَ نقيرا} أَي: مِقْدَار النقير، وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى لما أحَال الْخلق على الْعَمَل بَين الْعَمَل فِي هَذِه الْآيَات، وَجَزَاء الْعَمَل.
قَوْله تَعَالَى: {وَمن أحسن دينا مِمَّن أسلم وَجهه لله} أَي: أخْلص عِبَادَته لله، وَقيل: توجه عِبَادَته إِلَى الله، وَالْوَجْه يذكر بِمَعْنى: الدّين وَالْعِبَادَة، وَمِنْه قَول الْمصلى: وجهت وَجْهي، أَي: ديني وَهُوَ الصَّلَاة.
{وَهُوَ محسن وَاتبع مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا} وَإِنَّمَا خص إِبْرَاهِيم؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَقْبُول الْأُمَم أجمع، وَقيل: لِأَنَّهُ بعث على مِلَّة إِبْرَاهِيم؛ وَزيد لَهُ أَشْيَاء.
{وَاتخذ الله إِبْرَاهِيم خَلِيلًا} يَعْنِي: حبيبا، لَا خلل فِي حبه، والخلة: صفاوة الْمَوَدَّة، فَمَعْنَاه: أَنه اتَّخذهُ حبيبا، وَجعله صَفيه، وخاص نَفسه، كَمَا يكون الحبيب مَعَ الحبيب، قَالَ الشَّاعِر:
(قد تخللت مَسْلَك الرّوح منى ... وبذا سمى الْخَلِيل خَلِيلًا)
وَقيل: الْمُحْتَاج من الْخلَّة، وَهِي الْحَاجة، يَعْنِي: جعل حَاجته إِلَى نَفسه، دون غَيره، وَقَالَ الشَّاعِر:
(وَإِن أَتَاهُ خَلِيل يَوْم مَسْأَلَة ... فَقَالَ لَا غَائِب مَالِي وَلَا حرم)

الصفحة 484