كتاب تفسير السمعاني (اسم الجزء: 1)

{تُخْفُوهُ أَو تعفوا عَن سوء فَإِن الله كَانَ عفوا قَدِيرًا (149) إِن الَّذين يكفرون بِاللَّه وَرُسُله ويريدون أَن يفرقُوا بَين الله وَرُسُله وَيَقُولُونَ نؤمن بِبَعْض ونكفر بِبَعْض ويريدون أَن يتخذوا بَين ذَلِك سَبِيلا (150) أُولَئِكَ هم الْكَافِرُونَ حَقًا واعتدنا للْكَافِرِينَ عذَابا مهينا (151) وَالَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرُسُله وَلم يفرقُوا بَين أحد مِنْهُم أُولَئِكَ سَوف يُؤْتِيهم أُجُورهم وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما (153) يسئلك عَن أهل الْكتاب أَن تنزل عَلَيْهِم كتابا من}
{أُولَئِكَ هم الْكَافِرُونَ حَقًا} إِنَّمَا حقق كفرهم، ليعلم أَنهم كفار مُطلقًا لِئَلَّا يظنّ ظان أَنهم لما آمنُوا بِاللَّه وَبَعض الرُّسُل لَا يكون كفرهم مُطلقًا {اعتدنا للْكَافِرِينَ عذَابا مهينا} .
قَوْله - تَعَالَى -: {وَالَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرُسُله وَلم يفرقُوا بَين أحد مِنْهُم أُولَئِكَ سَوف يُؤْتِيهم أُجُورهم} إِنَّمَا سَمَّاهُ أجرا مجَازًا؛ لِأَنَّهُ ذكره بِإِزَاءِ الْعَمَل، لِأَن الْعَمَل يُوجِبهُ، وَهَذَا نَحْو قَوْله - تَعَالَى - فِي قصَّة مُوسَى: {إِن أبي يَدْعُوك ليجزيك أجر مَا سقيت لنا} سَمَّاهُ أجرا على مُقَابلَة الْعَمَل؛ لِأَن مُوسَى عمل؛ ليؤجر عَلَيْهِ {وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما} .
قَوْله - تَعَالَى -: {يَسْأَلك أهل الْكتاب أَن تنزل عَلَيْهِم كتابا من السَّمَاء} هم الْيَهُود، قَالُوا للنَّبِي لن نؤمن لَك حَتَّى تنزل علينا كتابا من السَّمَاء جملَة، كَمَا أنزلت التَّوْرَاة على مُوسَى جملَة.
قَالَ الْحسن: وَلم يكن ذَلِك سُؤال انقياد، وَإِنَّمَا ذَلِك سُؤال تحكم، واقتراح؛ فَإِنَّهُم لَو أنزل عَلَيْهِم الْكتاب جملَة، كَمَا سَأَلُوا؛ لم يُؤمنُوا، وَالله - تَعَالَى - لَا ينزل الْآيَات على اقتراح الْعباد، وَإِنَّمَا ينزلها على مَشِيئَته {فقد سَأَلُوا مُوسَى أكبر من ذَلِك} أَي: أعظم من ذَلِك {فَقَالُوا أرنا الله جهرة} أَي: عيَانًا، وَذَلِكَ أَن الْعَرَب كَانَت تعد الْعلم بِالْقَلْبِ رُؤْيَة؛ فَقَالَ: {جهرة} ليعلم أَنه أَرَادَ العيان، وَقَالَ أَبُو عبيده: مَعْنَاهُ:

الصفحة 497