كتاب عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ (اسم الجزء: 1)

{وبالآخرةِ هم يُوقنونَ} [البقرة: 4]، {والذين يؤمنون بالآخرةِ يؤمنونَ بهِ} [الأنعام: 92]. وذلك الموصوفُ يجوزُ أن يكونَ الدارَ وأن يكونَ النَّشأةَ، وقد صرَّح بكلٍّ منهُما: {وإنَّ الدَّارَ الآخرةَ لهيَ الحَيَوانُ} [العنكبوت: 64]، {وللدَّارُ الآخرِةُ خيرٌ} [الأنعام: 32]. وقال تعالى: {ثمَّ اللهُ يُنشئُ النَّشأةَ الآخرِةَ} [العنكبوت: 20]. وقد وُصفتِ الدارُ بالآخرةِ تارةً كما تقدَّم وأُضيفتْ إليها أُخرى، كقولهِ: {ولدار الآخرةِ خيرٌ} [يوسف: 109]، وقُرئَ: {وللدارُ الآخرةُ خيرٌ}. والإضافةُ عندَنا على حذفِ الموصوفِ، أي: ولدارُ الحياةِ الآخرةِ. قال الأزهريُّ: أراد: ولدارُ الحالِ الآخرةِ خيرٌ، لأنَّ للناس حالينِ؛ حالَ الدنيا وحالَ الآخرةِ. ومثلُه: صلاةُ الأولى، أي صلاة الفريضةِ الأولى. قلتُ: لأنَّ الشيءَ لا يضافُ إلى نفسهِ، والصفةُ هيَ الموصوفُ في المعنى. وقد يقابَلُ بالآخِرِ السابقُ.
وآخَرُ بفتح الخاء: أفَعَلُ تفضيلٍ ممنوعٌ منَ الصرفِ للوزنِ والوَصفِ، ويُجمعُ جمعَ تصحيحٍ؛ قال تعالى: {وآخَرونَ مُرجَوْنَ} [التوبة: 107]. ويُثنَّى، قال تعالى: {فآخَرانِ يقومانِ مَقامَهما} [المائدة: 107]. وفارقَ أخواتهِ في بابهِ؛ فإنَّ أفعلَ التَّفضيلِ لا يُثنَّى ولا يُجمع، إلا مُحلىًّ بأل نحو: {بالأَخْسرينَ} [الكهف: 103] أو مضافًا نحو: {أكابرَ مُجرِمِيها} [الأنعام: 123]. فإذا خَلا منهُما كانَ بلفظٍ واحدٍ. وتأنيثُه أُخْرى، ويُجمعُ على أُخَرَ. وهي معدولةٌ عنِ الألفِ واللامِ عندَ الجمهورِ، وقيلَ: عن أُخَرَ، كما حققتُه في غيرِ هذا. وأمّا أُخَرُ جمعُ أُخرى بمعنى آخرة فليست كذا. وقد يرادُ بالآخرَ معنَى غير، كقوله تعالى: {ومَن يَدْعُ مع الله إلهًا آخرَ} [المؤمنون: 117].
والتأخيرُ: يقابلُ التَّقديمَ، قالَ تعالى: {عَلمتْ نفسٌ ما قدَّمتْ وأَخَّرَتْ} [الانفطار: 5]، {بما قدَّم وأخَّرَ} [القيامة: 13]، أي قدَّمَ من عملهِ وأخَّرَ من سنِّه. ولقيتُ فلانًا بأَخَرةٍ أي إِخْرِيًّا، ومنه حديثُ أبي بَرزةَ: «لمّا كان بأَخَرةٍ». وأمّا نعتُه

الصفحة 73